والنجاشي هذا هو الذي هاجر المسلمون إليه، وكتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عمرو بن أمية الضمرى سنة ست أو سبع من الهجرة في المحرم. فأخذ كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعه على عينيه، ونزل عن سريره فجلس على الأرض تواضعاً، ثم أسلم على يدي جعفر بن أبي طالب وكتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وتوفي في رجب سنة تسع من الهجرة منصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - من تبوك، ونعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم توفي، هكذا قال جماعة من أهل السير والتاريخ، منهم الواقدي وابن سعد وابن جرير وآخرون. قال في الخميس نقلاً عن المواهب: وأما النجاشي الذي ولى بعده وكتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام فكان كافراً لم يعرف إسلامه ولا اسمه، وقد خلط بعضهم ولم يميز بينهما-انتهى. وقال ابن القيم: ليس الأمر كما قال الواقدي وغيره، فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس هو الذي كتب إليه. (مع عمرو بن أمية) وهو الثاني، ولا يعرف إسلامه بخلاف الأول، فإنه مات مسلماً، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث قتادة عن أنس قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن حزم: إن هذا النجاشي الذي بعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمرى لم يسلم. قال ابن القيم: والظاهر قول ابن حزم-انتهى. وأجاب أهل السير عن حديث أنس بأنه وهم من بعض الرواة، أو أنه عبر ببعض ملوك الحبشة عن الملك الكبير، أو يحمل على أنه لما توفي قام مقامه آخر فكتب إليه أي في سنة تسع، وهذا هو الراجح. وحاصله أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى النجاشي الذي صلى عليه وإلى النجاشي الذي تولى بعده على يد عمرو بن أمية أو غيره، فيكون هذه الكتابة متأخرة عن الكتابة لأصحمة الرجل الصالح الذي آمن به - صلى الله عليه وسلم -، وأكرم أصحابه، وصلى هو عليه، فلا مخالفة بين رواية أهل السير ورواية مسلم، فتأمل. وفي الحديث دليل على جواز النعي أي الإعلام بالموت، وقد بوب عليه البخاري "باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه". قال الحافظ: فائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، وإنما نهي عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق، ثم ذكر عن ابن سيرين أنه قال: لا أعلم بأساً أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه، قال: وحاصله أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك، حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول: لا تؤذنوا أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذني هاتين ينهى عن النعي، أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن. قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح، فهذا سنة، الثانية دعوة الحفل للمفاخرة، فهذه تكره، الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك. فهذا يحرم.