(اليوم) ظرف نعي أي في اليوم. (الذي مات فيه) وهو في رجب سنة تسع من الهجرة منصرفه من تبوك كما تقدم وذلك معجزة عظيمة منه - صلى الله عليه وسلم - حيث أعلمهم بموته في اليوم الذي توفي فيه مع بُعد عظيم ما بين المدينة والحبشة. (وخرج بهم إلى المصلى) وفي رواية ابن ماجه: فخرج وأصحابه إلى البقيع. قال الحافظ: والمراد بالبقيع بقيع بطحان، أو يكون المراد بالمصلي موضعاً معداً للجنائز ببقيع الغرقد غير مصلى العيدين، والأول أظهر، وقال في شرح حديث ابن عمر في رجم اليهوديين بلفظ "فأمر بهما فرجماً قريباً من موضع الجنائز عند المسجد". حكى ابن بطال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقاً بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من ناحية جهة المشرق-انتهى. فإن ثبت ما قال، وإلا فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلي المتخذ للعيدين والاستسقاء؛ لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم، وسيأتي في قصة ماعز "فرجمناه بالمصلي"-انتهى. وقد تمسك بهذا الحديث من قال بكراهة صلاة الجنازة في المسجد، سواء كان القوم والميت في المسجد، أو كان الميت خارج المسجد، والقوم كلهم أو بعضهم في المسجد، وهذا لأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج بأصحابه إلى المصلي فصف بهم وصلى عليه، ولو ساغ أن يصلي عليه في المسجد لما خرج بهم، والقول بالكراهة للحنفية والمالكية. واستدل لهم أيضاً ما رواه أبوداود وابن ماجه من حديث أبي هريرة مرفوعاً: من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له. وأجيب بأنه ليس فيه نهي عن الصلاة في المسجد. ويحتمل أن يكون خرج بهم إلى المصلي لغير المعنى الذي ذكروه، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد، فكيف يترك هذا الصريح لأمر محتمل، بل الظاهر أنه إنما خرج بالمسلمين إلى المصلي لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه، ولتعظيم شأنه، ولإشاعة كونه مات على الإسلام، فقد كان بعض الناس لم يدر بكونه أسلم، كما روى ابن أبي حاتم في التفسير، والدارقطني في الأفراد، والبزار من حديث أنس. وأما حديث أبي هريرة فأجيب عنه بوجوه، منها أنه ضعيف ضعفه أحمد بن حنبل وابن حبان وابن عدي والبيهقي والخطابي وابن المنذر والنووي وغيرهم. قلت: في سنده صالح بن نبهان مولى التوأمة، وقد تفرد به وهو صدوق، اختلط بآخره، ورواه عنه ابن أبي ذئب، واختلفوا في أنه سمع هذا الحديث من صالح قبل الاختلاط أو بعده. قال ابن معين: سمع منه ابن أبي ذئب قبل أن يخرف. وقال ابن المديني: سماع ابن أبي ذئب منه قبل الخرف. وقال الجوزجاني: تغير أخيراً، فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لسنه وسماعه القديم. وقال ابن عدي: لا بأس به إذا روى عنه القدماء مثل ابن أبي ذئب وابن جريج. ويعارض هذا كله ما روى الترمذي عن البخاري عن أحمد بن حنبل قال: سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيراً، وروى عنه منكراً، حكاه ابن القطان عن الترمذي. وما نقل الزيلعي عن ابن عدي أنه عد هذا