الحديث من منكرات صالح، والظاهر أن ابن أبي ذئب سمع منه قبل الاختلاط وبعده، ولم يدر أنه أخذ هذا الحديث منه قبل الاختلاط أو بعده. قال ابن حبان: اختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك-انتهى. وعلى هذا لا يكون هذا الحديث صالحاً للاحتجاج، ومنها ما قال النووي: إن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبي داود "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه" فلا حجة لهم حينئذٍ. ومنها ما قاله النووي أيضا: إنه لو ثبت الحديث بلفظ "فلا شيء له" لوجب تأويله بأن له بمعنى عليه ليجمع بين الروايتين، ولئلا يخالف قوله فعله في الصلاة على ابني بيضاء في المسجد، ومنها أن معنى قوله: فلا شيء له، أي فلا أجر له، كما في رواية، والروايات يفسر بعضها بعضاً، والمراد فلا أجر له كاملاً. قال القاري: الأظهر أن يحمل على نفي الكمال كما في نظائره، والدليل عليه ما في مسلم عن عائشة: والله لقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه. وقال الخطابي: ثبت أن أبا بكر وعمر صلى عليهما في المسجد، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما، وفي تركهم الإنكار دليل الجواز-انتهى. قلت: وكذا يحمل على نفي الكمال رواية ابن ماجه: فليس له شيء. قال السندي: ظاهره أن المعنى فليس له أجر، كما في رواية، وسلب الأجر من الفعل الموضوع للأجر يقتضي عدم الصحة، ولذا جاء في رواية ابن أبي شيبة في مصنفه: فلا صلاة له، لكن يشكل بأن الصلاة صحيحة إجماعاً، فيحمل على أنه ليس له أجر كامل، ويمكن أن يقال: معنى فلا شيء فلا أجر له لأجل كونه صلى في المسجد، فالحديث لبيان أن صلاة الجنازة في المسجد ليس لها أجر لأجل كونها في المسجد كما في المكتوبات، فأجر أصل الصلاة باق، وإنما الحديث لإفادة سلب الأجر بواسطة ما يتوهم من أنها في المسجد، فيكون الحديث مفيداً لإباحة الصلاة في المسجد من غير أن يكون لها بذلك فضيلة زائدة على كونها خارجها، وينبغي أن يتعين هذا الاحتمال دفعاً للتعارض وتوفيقاً بين الأدلة بحسب الإمكان، وعلى هذا فالقول بكراهة الصلاة في لمسجد مشكل، نعم ينبغي أن يكون الأفضل خارج المسجد بناء على الغالب أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي خارج المسجد، وفعله في المسجد كان مرة أو مرتين-انتهى كلام السندي. وأما ما قال بعض الحنفية: إن العمل استقر على ترك الصلاة عليها في المسجد؛ لأن الناس قد أنكروا وعابوا على عائشة وغيرها من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاتهن على جنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد النبوي، وكان هؤلاء المنكرون من الصحابة فمردود بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها، فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى أبوبكر بن أبي شيبة وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيباً صلى على عمر في المسجد، زاد في رواية ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر. قال الحافظ: وهذا يقتضى الإجماع على جواز ذلك-انتهى.