أنه صلى عليه أحد في بلده كما جزم به أبوداود، ومحله في اتساع الحفظ معلوم-انتهى. قال في عون المعبود: نعم ما ورد فيه شيء نفياً ولا إثباتاً، لكن من المعلوم أن النجاشي أسلم شاع إسلامه ووصل إليه جماعة من المسلمين مرة بعد مرة وكرة بعد كرة، فيبعد كل البعد أنه ما صلى عليه أحد في بلده. وقال ابن قدامة في المغني (ج٢ص٥١٣) إن هذا بعيد؛ لأن النجاشي ملك الحبشة وقد أسلم وأظهر إسلامه، فيبعد أن يكون لم يوافقه أحد يصلي عليه-انتهى. واستدل بعضهم لما قال الخطابي وغيره بما روى الطيالسي وأحمد وابن ماجه والطبراني والضياء من حديث حذيفة بن أسيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج بهم، فقال: صلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، قالوا: من هو؟ قال النجاشي، ولا حجة فيه لهم، بل فيه حجة عليهم، فإنه ليس فيه أنه لم يصل عليه أحد في بلده. والمراد بأرضكم أرض المدينة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن النجاشي إن مات في أرضكم المدينة لصليتم عليه كما تصلون على من تشهدون جنازته. لكنه مات في غير أرضكم، فصلوا عليه صلاة الغائب، فهذا تشريع منه وسنة للأمة الصلاة على كل غائب. واعتذر من منع من صلاة الجنازة على الغائب مطلقاً عن هذه القصة بأن ذلك خاص بالنجاشي؛ لأنه كشف له - صلى الله عليه وسلم - ورفع الحجب عنه، حتى رآه كما كشف له عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته، فصلى عليه وهو يرأه صلاته على الحاضر المشاهد وإن كان على مسافة من البعد، فتكون صلاته كصلاة الإمام على ميت رآه ولم يره المأمومون، ولا خلاف في جوازها، واستندوا لذلك إلى ما ذكر الواقدي في أسبابه عن ابن عباس قال: كشف للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه، ولابن حبان من حديث عمران بن حصين: فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه، ولأبي عوانة: فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا، قالوا ويدل على الخصوصية أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على غائب غيره، وقد مات من الصحابة خلق كثير وهم غايبون عنه وسمع بهم، فلم يصل عليهم إلا غائباً واحداً، ورد أنه طويت له الأرض حتى حضره أو رفع له الحجاب حتى رآه، وهو معاوية بن معاوية المزني كما روى الطبراني وابن مندة والبيهقي وابن سعد وغيرهم من حديث أنس، والطبراني وأبوأحمد والحاكم من حديث أبي أمامة. وأجيب عن ذلك بأن الأصل عدم الخصوصية، ولو فتح باب هذا الخصوص؛ لأنسد كثير من أحكام الشرع. قال الخطابي: زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصاً بهذا الفعل فاسد؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فعل شيئاً من أفعال الشريعة كان علينا إتباعه والإيتساء به، والتخصيص لا يعلم إلا بدليل، ومما يبين ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس إلى الصلاة فصف بهم وصلوا معه، فعلم أن هذا التأويل فاسد. وقال ابن قدامة: نقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يثبت ما يقتضي اختصاصه، ولأن الميت مع البعد لا تجوز الصلاة عليه