للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: متى دفن هذا؟ قالوا: البارحة، قال: أفلا آذنتموني؟ قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، فصلى عليه)) .

ــ

روى قصته أبوداود والبيهقي مختصراً من حديث حصين بن وحوح، وقد تقدم. (متى دفن) بصيغة المجهول. (هذا) الميت. (البارحة) أي دفن الليلة الماضية. (أفلا آذنتموني) بمد الهمزة أي أدفنتموه فلا أعلمتموني بموته حين مات. (فكرهنا أن نوقظك) أي ننبهك من النوم. (فصففنا) بفائين. (فصلى عليه) أي على قبره صبيحة دفنه، وفيه جواز الدفن بالليل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك ولم ينكره، بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره. ويدل عليه أيضاً حديث ابن عباس عند الترمذي: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة-الحديث. وحديث جابر عند أبي داود والحاكم قال: رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم-الحديث. وحديث أبي ذر عند ابن أبي شيبة قال: كان رجل يطوف بالبيت يقول: أوه أوه، قال أبوذر: فخرجت ذات ليلة فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المقابر يدفن ذلك الرجل ومعه مصباح، ذكره العيني. وحديث أبي أمامة بن سهل عند مالك والبيهقي وابن عبد البر في دفن المسكينة ليلاً. وحديث أبي سعيد عند ابن ماجه وغير ذلك من الأحاديث: وقد دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلاً، كما رواه أحمد عن عائشة. ودفن أبوبكر وعمر ليلاً، ودفن علي فاطمة ليلاً، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد في الأصح المشهور عنه، وأبوحنيفة وإسحاق والجمهور، وكرهه قتادة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وأحمد في رواية. وقال ابن حزم: لا يجوز أن يدفن أحد ليلاً إلا عن ضرورة، وكل من دفن ليلاً منه - صلى الله عليه وسلم - ومن أزواجه وأصحابه فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك من خوف زحام أو خوف الحر على من حضر، وحر المدينة شديداً، وخوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلاً، لا يحل لأحد أن يظن بهم خلاف ذلك. واستدل هؤلاء بحديث جابر عند أحمد ومسلم وأبي داود: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلاً فزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقبر الرجل ليلاً حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه، وأجاب الجمهور عنه بأن النهي ليس لأجل كراهة الدفن ليلاً، بل لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن وإساءته، كما يدل عليه أول الحديث وآخره. وقال الطحاوي: أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن الدفن ليلاً أن يصلي على جميع المسلمين؛ لما يكون لهم في ذلك من الفضل، يعني فيحتسب تأخير دفنه إلى الصباح إن رجي بتأخيره صلاة من ترجي بركته. وقيل: يحتمل أن يكون نهى عن ذلك أولاً ثم رخص. وقيل: المنهي عنه الدفن قبل الصلاة، وتعقب بأن الدفن قبل الصلاة منهي عنه مطلقاً سواء كان بالليل أو بالنهار. والظاهر أن النهي

<<  <  ج: ص:  >  >>