عن الدفن بالليل ولو بعد الصلاة، ففي رواية ابن ماجه من حديث جابر مرفوعاً: لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا. وفي الحديث أيضاً دليل على صحة الصلاة على القبر بعد دفن الميت سواء صلى عليه قبل الدفن أم لا. وبه قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، روي ذلك عن أبي موسى وابن عمر وعائشة وعلى وابن مسعود وأنس وسعيد بن المسيب وقتادة، وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وابن وهب وداود وسائر أصحاب الحديث، ويدل لهم أيضاً أحاديث من بين صحاح وحسان وردت في الباب عن جماعة من الصحابة، أشار إليها الحافظ في التلخيص (ص١٦٢) ، وساق أكثرها بأسانيدها ابن عبد البر في التمهيد. وقال النخعي والثوري ومالك وأبوحنيفة: لا تعاد الصلاة على الميت إلا للولي إذا كان غائباً، ولا يصلى على القبر إلا كذلك، وعنهم إن دفن قبل أن يصلى عليه شرع الصلاة عليه وإلا فلا، وأحاديث الباب ترد عليهم مطلقاً، وقد اعتذر عنها مالك بأنه ليس عمل أهل المدينة عليها، ولا يخفى ما فيه، وأجاب غيره بأن ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، واحتجوا لهذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة عند مسلم: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وأن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم. قالوا: صلاته - صلى الله عليه وسلم - كانت لتنوير القبر، وذا لا يوجد في صلاة غيره، فلا يكون الصلاة على القبر مشروعاً. وأجاب ابن حبان عن ذلك بأن في ترك إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره، وأنه ليس من خصائصه. وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينتهض دليلاً للأصالة. ومن جملة ما أجاب به الجمهور عن قوله: إن هذه القبور مملوءة ظلمة الخ أنه مدرج، كما سيأتي. قلت: واستدل بعضهم للخصوصية بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث يزيد بن ثابت عند أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي: إن صلاتي له رحمة. قال السندي: قد أخذ منه الخصوص من ادعى ذلك، وهذه دلالة غير قوية. وقال الشوكاني: إن الاختصاص لا يثبت إلا بدليل، ومجرد كون الله ينور القبور بصلاته - صلى الله عليه وسلم - على أهلها لا ينفي مشروعية الصلاة على القبر لغيره، لا سيما بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: صلوا كما رأيتموني أصلي. وقال ابن حزم: ليس في الكلام المذكور دليل على أنه خصوص له، وإنما في هذا الكلام بركة صلاته - صلى الله عليه وسلم - وفضيلتها على صلاة غيره فقط، وليس فيه نهي غيره عن الصلاة على القبر أصلاً، بل قد قال الله تعالى:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}[الأحزاب: ٢١] انتهى. قال الشوكاني: وهذا باعتبار من كان قد صلى عليه قبل الدفن، وأما من لم يصل عليه ففرض الصلاة عليه الثابت بالأدلة وإجماع الأمة باقٍ، وجعل الدفن مسقطاً لهذا الفرض محتاج إلى دليل-انتهى. هذا واختلف في المدة التي تشرع فيها الصلاة على القبر، فقال أحمد وإسحاق وأصحاب الشافعي: إلى شهر. قال أحمد: أكثر ما سمعنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر. وقيل: يصلي عليه ما لم يبل