فقال: وجبت، فقال عمر: ما وجبت؟ فقال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) .
ــ
يكون حديث أنس وما في معناه قبل ورود النهي العام. وقيل: إن هذا كان على معنى الشهادة، والمنهي عنه هو على معنى السب، وما كان على جهة الشهادة وقصد التحذير لا يسمى سباً في اللغة. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وجبت) أي حقت له النار. (فقال عمر ما وجبت) أي ما المراد بقولك وجبت في الموضعين، أراد التصريح بما يعلم من قيام القرينة. (هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا) أي الآخر. (أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار) قال الحافظ: المراد بالوجوب الثبوت، إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على الله شيء بل الثواب فضله والعقاب عدله، لا يسئل عما يفعل. وفي رواية مسلم: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، وهو أبين في العموم من رواية البخاري، وفيه رد على من زعم أن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب اطلع الله نبيه عليه، وإنما هو خبر عن حكم أعلمه الله به. (أنتم شهداء الله في الأرض) قيل: الخطاب مخصوص بالصحابة؛ لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم. وقيل: بل المراد هم ومن كانوا على صفتهم من الإيمان. وقيل: الصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين. ونقل الطيبي عن بعض شراح المصابيح: أنه قال ليس معنى قوله "أنتم شهداء الله" أن ما يقول الصحابة والمؤمنون في حق شخص يكون كذلك؛ لأن من يستحق الجنة لا يصير من أهل النار بقولهم "ولا من يستحق النار" يصير من أهل الجنة بقولهم، بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيراً رأوا منه الصلاح والخيرات في حياته، والخيرات والصلاح علامة كون الرجل من أهل الجنة، والذي أثنوا عليه شراً رأوا منه الشر والفساد، والشر والفساد من علامة النار، فترجى الجنة لمن شهد له بالخير، ويخاف النار لمن شهد له بالشر وتعقبه. الطيبي بأن قوله "وجبت" بعد ثناء الصحابة حكم عقب وصفاً مناسباً، وهو يشعر بالعلية، وكذا الوصف بقوله "أنتم شهداء الله في الأرض"؛ لأن الإضافة للتشريف، وأنهم بمكان ومنزلة عالية عند الله، وهو أيضاً كالتزكية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته وإظهار عدالتهم بعد أداء شهادتهم لصاحب الجنازة، فينبغي أن يكون لها أثر ونفع في حقه، وأن الله تعالى يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم في حق المثنى عليه، كرامة لهم وتفضيلاً عليهم كالدعاء والشفاعة، فيوجب لهم الجنة والنار على سبيل الوعد والوعيد؛ لأن وعده حق لا بد من وقوعه، فهو كالواجب إذ لا أثر للعمل ولا الشهادة في الوجوب. وإلى معنى الحديث يرمز قوله تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}[البقرة: ١٤٣] أي جعلناكم عدولاً خيار الشهود لتشهدوا على غيركم، ويكون الرسول رقيباً عليكم ومزكياً لكم ويبين عدالتكم. وقال النووي: قيل: