١٤٤- (٥) وعن جابر قال: ((جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلاً، قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أوِّلوها له يفقهها. قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: الدار الجنة،
ــ
أبى أمامة عند الحاكم والطبراني، وسنده جيد.
١٤٤- قوله: (وعن جابر قال: جاءت ملائكة) أي جماعة منهم، وهذه حكاية سمعها جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكاها فحديث جابر هذا مرفوع لما في رواية الترمذي عن جابر قال:((خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال. إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي ... )) الخ. لا يستشكل اقتصاره على ذكر اثنين من الملائكة جبريل وميكائيل في رواية الترمذي هذه؛ لأنه يحتمل أنه كان مع كل منهما غيره، واقتصر في رواية الترمذي على من باشر الكلام منهم ابتداءً وجواباً. (إن لصاحبكم هذا) أي لمحمد، والمخاطب بعض الملائكة (مثلاً) أي صفة عجيبة الشأن (فأضربوا له) أي بينوا له. (إنه نائم) أي فلا يسمع، فلا يفيد ضرب المثل شيئاً. (إن العين نائمة والقلب يقظان) غير منصرف، وقيل منصرف لمجيء فعلانة. أي فلا يفوته شيء مما تقولون، فإن المدار على المدارك الباطنية دون الحواس الظاهرية. وقيل: هذا تمثيل يراد به حياة القلب وصحة خواطره، يقال:"رجل يقظ" إذا كان ذكي القلب. قال البيضاوي: هذه مناظرة جرت بينهم بياناً وتحقيقاً لما أن النفوس القدسية الكاملة لا يضعف إدراكها بضعف الحواس الظاهرة واستراحة الأبداًن، بل ربما يقوى إدراكها عند ضعفها. (مثله كمثل رجل بني داراً) قال القاري: يعني قصته كهذه القصة عن آخرها، لا أن حاله كحال هذا الرجل، فإنه في مقابلة الداعي لا الباني، اللهم إلا أن يقدر مضاف، ويقال: كمثل داعي رجل بني داراً -انتهى. وقال الكرماني: ليس المقصود من هذا التمثيل تشبيه المفرد بالمفرد، بل تشبيه المركب بالمركب مع قطع النظر عن مطابقة المفردات عن الطرفين - انتهى. وقد وقع في رواية الترمذي، وكذا في حديث ابن مسعود عند الترمذي وأحمد وابن خزيمه ما يدل على المطابقة المذكورة. (مأدبة) بفتح الميم وسكون الهمزة وضم الدال وتفتح، وبعدها موحدة، طعام عام يدعى الناس إليه كالوليمة (وبعث داعياً) يدعو الناس إليها. (أوِّلوها) بكسر الواو المشددة، أي فسروا هذه الحكاية التمثيلية لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، من أول تأويلاً، إذا فسر بما يؤل إليه الشيء (يفقهها) بالجزم جواب الأمر، أي يفهمها (وقال بعضهم: إن العين) أي عينه (نائمة والقلب) أي قلبه (يقظان) أي فيدرك البيان، وكرروا هذا لتنبيه السامعين إلى هذه المنقبة العظيمة، وهي نوم العين ويقظة القلب (فقالوا: الدار) أي الممثل بها (الجنة) وفي رواية الترمذي