للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقول ذلك، وهذا كما ترى مرفوع، وقد سكت عنه الزيلعي. وقال الهيثمي: رجاله موثقون. وقد استدل بالحديثين على إهداء ثواب قراءة القرآن للميت. وفيه نظر، فإنه ليس فيهما ذكر للإهداء وجعل ثواب القراءة للميت. والظاهر أن قراءة أول البقرة وخاتمتها عند القبر كانت ليأنس بها الميت فيختص ذلك بأن يكون عند القبر عقب الدفن لا مطلقاً. واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن وغيرها من العبادات البدنية للميت كالصلاة والصوم والذكر، بعد ما اتفقوا على أنه ينتفع الميت بما تسبب إليه في حياته، وبدعاء المسلمين، واستغفارهم له، والصدقة والحج. فذهب أحمد وأبوحنيفة إلى وصول ثواب القراءة وغيرها من العبادات البدنية. واستدل لهما بأحاديث ذكرها القاري في المرقاة نقلاً عن شرح الصدور للسيوطي، وقد نقلها شيخنا في شرح الترمذي (ج٢ ص٢٦) وفي كتاب الجنائز له (ص١٠٣-١٠٤) ، وهي ضعيفة كلها لا تصلح للاستدلال والاحتجاج، وبالقياس على الدعاء والصدقة والحج. وذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك لا يصل. واستدل لهما بدلائل ذكرها ابن القيم في كتاب الروح (ص١٩٦- ١٩٧) ثم بسط في الجواب عنها، ولبعض شيوخنا رسالة لطيفة في الأردوية في هذه المسألة رتبها على مقدمة ومقصد وخاتمة، وسماها "إهداء ثواب" وبسط الكلام في تحقيق المقام فأجاد، فعليك أن تطالعها، وقد اختار هو القول بعدم وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت، وإليه يميل قلبي، فإنه لم يقم على إهداء ثواب القراءة دليل شرعي لا من قرآن ولا من سنة صريحة صحيحة ولا من إجماع، ولا يكفي في مثل هذه المسألة حديث ضعيف أو أثر صحابي فضلاً عن القياس أو أثر التابعي ومن دونه. وقد صرح ابن القيم الذي هو قائل بوصول ثواب القراءة إلى الميت بأنه لم يصح عن السلف شيء في ذلك، واعتذر عن هذا بأنهم كانوا يخفون أعمال البر، واعترض عليه بأنه لو كان معروفاً لكان عن اعتقاد مشروعيته، وحينئذٍ يبلغونه ولا يكتمونه، بل لتوفرت الدواعي على نقله عنهم بالتواتر؛ لأنه من رغائب جميع الناس. هذا، وقد رد صاحب تفسير المنار (ج٨ ص٢٥٧- ٢٥٨) على ابن القيم رداً حسناً فيما طول له الكلام من إثبات إهداء الثواب إلى الأموات، فارجع إليه إن شئت. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: ٣٩] ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي ومن تبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته، ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقسية والآراء. فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما- انتهى. وفي الاختيارات لشيخ الإسلام تقى الدين بن تيمية: ولم يكن من

<<  <  ج: ص:  >  >>