ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال فرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبي ونفسه تتقعقع، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله! ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، فإنما يرحم الله من عباده الرحماء)) .
ــ
- صلى الله عليه وسلم - أولاً فيحتمل أنه كان في شغل في ذلك الوقت، أو كان امتناعه مبالغة في إظهار التسليم لربه. أو كان لبيان الجواز في أن من دعي لمثل ذلك لم تجب عليه الإجابة، بخلاف الوليمة مثلاً، وأما إجابته - صلى الله عليه وسلم - بعد إلحاحها عليه فكانت دفعاً لما يظنه بعض الجهلة أنها ناقصة المكان عنده، أو أنه لما رآها عزمت عليه بالقسم حن عليها بإجابته. (ليأتينها) بالنون المؤكدة. (فقام ومعه) بإثبات واو الحال. (ورجال) أي آخرون ذكر منهم في غير هذه الرواية عبادة بن الصامت وأسامة راوي الحديث وعبد الرحمن بن عوف. (فرفع) بضم الراء من الرفع، يعني فمشوا إلى أن وصلوا إلى بيتها فاستأذنوا فأذن لهم فرفع (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبي) أو الصبية، أي وضع في حجرة عليه الصلاة والسلام. (ونفسه) أي روحه (تتقعقع) أي تضطرب وتتحرك ولا تثبت على حالة واحدة، كذا في النهاية، والجملة اسمية حالية. (ففاضت) أي سالت. (عيناه) أي عينا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبكاء. (فقال سعد) هو ابن عبادة المذكور. (ما هذا؟) أي البكاء منك. (فقال: هذه) أي الدمعة التي تراها. (رحمة) أي أثر رحمة أي أن الذي يفيض من الدمع من حزن القلب بغير تعمد من صاحبه ولا استدعاء، لا مؤاخذة عليه، وإنما المنهي عنه الجزع وعدم الصبر. قال النووي: ظن سعد أن جميع أنواع البكاء حرام، وأنه عليه الصلاة والسلام نسي فاعلمه عليه الصلاة والسلام أن مجرد البكاء ودمع العين ليس بحرام ولا مكروه، بل هو رحمة وفضيلة، وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما. (فإنما) وفي بعض النسخ وإنما أي بالواو. (يرحم الله من عباده الرحماء) جمع رحيم بمعنى الراحم، أي وإنما يرحم الله من عباده من اتصف بأخلاقه ويرحم عباده، و "من" في عباده بيانية حال من المفعول وهو الرحماء، وقيل: الأظهر أن "من" تبعيضية أي إنما يرحم من جملة عباده الرحماء، فمن لا يرحم لا يُرحم، وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز استحضار ذوى الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم، وجواز القسم عليهم لذلك. وفيه استحباب إبرار المقسم، وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضى مقاوماً للحزن بالصبر. وفيه تقديم السلام على الكلام، وعيادة المريض ولو كان مفضولاً أو صبياً صغيراً، وفيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم ولو ردوا أول مرة، واستفهام التابع عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره، وفيه الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى والرحمة لهم، والترهيب من قساوة القلب وجمود العين، وجواز