فقال عمر: يا صهيب! أتبكي علي! وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه، فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، ولكن إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه،
ــ
الأخوة والصاحبية له كانا معلومين معروفين حتى يصح وقوعهما للندبة. (أتبكي) بهمزة الاستفهام الإنكاري. (علي) أي بالصوت والندبة، وفي رواية النسائي. فقال عمر: يا صهيب: لا تبك. قال السندي: خاف أن يفضي بكاءه إلى البكاء بعد الموت، وإلا فالحديث في البكاء بعد الموت. (ببعض بكاء أهله عليه) قيده ببعض البكاء، فحمل على ما فيه نوح وندبة جمعاً بين الأحاديث. وقيل: المراد بالبعض ما يكون من وصيته. (فقالت: يرحم الله عمر) قال الطيبي: هذا من الآداب الحسنة على منوال قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}[التوبة:٤٣] ، فاستعربت من عمر ذلك القول فجعلت قولها "يرحم الله" تمهيداً ودفعاً لما يوحش من نسبته إلى الخطأ. (لا) أي ليس كذلك. (إن الميت) بكسر الهمزة وتفتح. (ليعذب ببكاء أهله عليه) في البخاري: إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه. وفي مسلم: إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد، وفي أخرى له: ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط، إن الميت يعذب ببكاء أحد، قال القاري. أي مطلقاً ولا مقيداً، وهذا النفي المؤكد بالقسم منها بناء على ظنها وزعمها، أو مقيد بسماعها، وإلا فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، والمثبت مقدم على النافي. وكيف والحديث روي من طرق صحيحة بألفاظ صريحة، مع أنه بعمومه لا ينافي ما قالت بخصوصه. (ولكن) بإسكان النون أي الذي حدث به جملة إن الله الخ. قال القاري: وفي نسخة "ولكن" قال: وفي البخاري "ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال"، وفي رواية لمسلم "ولكنه قال". (إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه) فحملت الميت على الكافر وأنكرت الإطلاق، وقد جاء فيه الزيادة كقوله تعالى:{زدناهم عذاباً فوق العذاب}[النحل:٨٨] وقوله: {فلن نزيدكم إلا عذاباً}[النبأ:٣٠] لكن قد يقال: زيادة العذاب بعمل الغير أيضاً مشكلة معارضة بقوله تعالى: {ولا تزر} الخ، فينبغي أن تحمل الباء في قوله "ببعض بكاء أهله" على المصاحبة لا السببية، وتخصيص الكافر حينئذٍ لأنه محل الزيادة، قاله السندي في حاشية النسائي، وقال في حاشية البخاري: كأنها فهمت أن معنى هذا الحديث هو أن الله يزيد الكافر عذاباً جزاء لكفره، كما قال تعالى:{فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً}[النبأ:٣٠] إلا أن الله أجرى عادته بإظهار الزيادة عند البكاء، فصار كأن البكاء سبب للزيادة؛ لأن الزيادة جزاء للبكاء، ولا يتصور مثل ذلك في تعذيب المؤمن بسبب البكاء، فصار هذا الحديث بفهمها غير مخالف لقوله تعالى:{ولا تزر} بل هو موافق