للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقالت عائشة: حسبكم القرآن: {ولا تزر وازرة أخرى} ، قال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكي،

ــ

لقوله تعالى: {فلن نزيدكم إلا عذاباً} بخلاف حديث تعذيب المؤمن، فلا يرد أن هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى: {ولا تزر} الخ. فما بالها تثبته وتبطل الحديث الآخر بالمخالفة فافهم-انتهى. ولا يخفى ما فيه من التكلف. وقال القاري: فيه أن النفي منها رضي الله عنها هنا مناقض لما قالت سابقاً من أن الحديث ورد في يهودية كانوا يبكون عليها، وهي تعذب في قبرها-انتهى. وقال الحافظ: هذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيها إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر، بل بما استشعرته من معارضة القرآن. قال الداودي: رواية ابن عباس عن عائشة بينت ما نفته عمرة وعروة عنها، إلا أنها خصته بالكافر؛ لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذاباً ببكاء أهله، فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء. (وقالت عائشة) أي تأكيداً لقولها أولاً: (حسبكم القرآن) بسكون السين المهملة، أي كافيكم أيها المؤمنون القرآن، أي في تأييد ما ذهبت إليه من رد الخبر: {ولا تزر وازرة ورز أخرى} الجملة بدل كل أو بعض من القرآن أو خبر مبتدأ محذوف هو هو. قال الطيبي: الوزر والوقر أخوان، وزر الشيء إذا حمله، والوازرة صفة النفس. والمعنى أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته. لا تؤخذ نفس بذنب نفس، كما تأخذ جبارة الدنيا الولي بالولي والجار بالجار-انتهى. (قال ابن عباس عند ذلك) أي عند انتهاء حديثه عن عائشة مؤيداً لها ومصداقاً لكلامها: (والله) بالرفع مع الواو، وهو حاصل معنى الآية في سورة النجم بلفظ: إنه هو {أضحك وأبكى} قال ميرك: أي إن العبرة لا يملكها ابن آدم ولا تسبب له فيها، فكيف يعاقب عليها فضلاً عن الميت-انتهى. وحاصله جواز عموم البكاء، وهو خلاف الإجماع. وقال الداودي: معناه أن الله تعالى أذن في الجميل من البكاء فلا يعذب على ما أذن فيه-انتهى. وهو خارج عن البحث كما لا يخفى. وقال الطيبي: غرضه تقرير قول عائشة أي أن بكاء الإنسان وضحكه وحزنه وسروره من الله يظهرها فيه فلا أثر له في ذلك-انتهى. وفيه أن الكل من عند الله خلقاً ومن العبد كسباً كما هو مقرر، والشرع قد اعتبر ما يترتب عليه من الأثر كسائر أفعال البشر، ألا ترى أن التبسم والضحك في وجه المؤمن من الحسنات، وعلى المؤمن على وجه السخرية من السيئات، وكذا الحزن والسرور تارة يكونان من الأحوال السيئة، يثاب الشخص بهما، وتارة من الأفعال الدنية، يعاقب عليهما، كما هو مقرر في محله. ثم قال الطيبي: فإن قلت: كيف لم يؤثر ذلك في حق المؤمن وقد أثر في حق الكافر؟ قلت: لأن المؤمن الكامل لا يرضى بالمعصية مطلقاً، سواء صدرت منه أو من غيره بخلاف الكافر، ومن ثم قالت الصديقة رضي الله عنها: حسبكم القرآن أي كافيكم، أيها المؤمنون! من

<<  <  ج: ص:  >  >>