فقلت: أرغم الله أنفك، لم تفعل ما أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العناء)) . متفق عليه.
١٧٥٨- (٢٣) وعن أم سلمة، قالت:((لما مات أبوسلمة قلت: غريب، وفي أرض غربة، لأبكينه بكاء
ــ
خشية إفضائه إلى ما يحرم، كذا في الفتح. (فقلت) للرجل. (أرغم الله أنفك) بالراء والغين المعجمة، أي ألصق الله أنفك بالرغام بفتح الراء وهو التراب إهانة وإذلالاً. قال الحافظ: دعت عليه من جنس ما أمر أن يفعله بالنسوة لفهمها من قرائن الحال أنه أحرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بكثرة تردده إليه في ذلك. وقال الطيبي: أي أذلك الله فإنك آذيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كففتهن عن البكاء، وهذا معنى قولها رضي الله عنها:(لم تفعل ما أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي على درجة الكمال في الزجر، وإلا فقد قام بالأمر حيث نهاهن عن الضجر، قاله القاري. وقال الكرماني: أي لم تبلغ النهي، ونفته وإن كان قد نهاهن لأنه لم يترتب على نهيه الامتثال، فكأنه لم يفعله، ويحتمل أن تكون أرادت لم تفعل أي الحثو بالتراب. (ولم تترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العناء) بفتح العين المهملة والنون والمد أي المشقة والتعب، ومراد عائشة أن الرجل لا يقدر على ذلك، فإذا كان لا يقدر فقد أتعب نفسه ومن يخاطبه في شيء لا يقدر على إزالته، ولعل الرجل لم يفهم من الأمر المحتم. وقال النووي: معناه أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار لنقصك وتقصيرك، ولا تخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء. وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً: جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار، وجواز نظر النساء المحتجبات إلى الرجال الأجانب، وتأديب من نهي عما لا ينبغي له فعله إذا لم ينته، قاله الحافظ: وقد ترجم البخاري في صحيحه على هذا الحديث. باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن، قال الزين بن المنير ما ملخصه: موقع هذه الترجمة من الفقة أن الاعتدال في الأحوال هو المسلك الأقوم، فمن أصيب بمصيبة عظيمة لا يفرط في الحزن حتى يقع في المحذور من اللطم والشق والنوح وغيرها، ولا يفرط في التجلد حتى يفضي إلى القسوة والاستخفاف بقدر المصاب، فيقتدي به - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة بأن يجلس المصاب جلسة خفيفة بوقار وسكينة تظهر عليه مخائل الحزن، ويؤذن بأن المصيبة عظيمة، كذا في الفتح. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الجنائز وفي المغازي، ومسلم في الجنائز، وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وأبوعوانة وابن حبان والبيهقي (ج٤:ص٥٩) .
١٧٥٨- قوله:(وعن أم سلمة) أم المؤمنين. (لما مات أبوسلمة) أي زوجها الأول. (غريب وفي أرض غربة) بالإضافة أي أنه من أهل مكة ومات بالمدينة. (لأبكينه) بتشديد النون، أي والله لأبكين عليه. (بكاء) أي