بضعفه السيوطي أيضاً حيث قال: وروى ابن شاهين حديثاً مسنداً في ذلك لكن الحديث مضعف. وأما الآية الكريمة {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} فهي مكية، وزيارته - صلى الله عليه وسلم - لقبر أمه كانت عام الفتح. وقيل: عام الحديبية سنة ست من الهجرة. وقيل: الآية في حق الأمم السالفة السابقة خاصة. وقيل: المنفي فيها عذاب الاستئصال في الدنيا لا عذاب الآخرة. وقيل: المراد وما كنا معذبين في الأعمال التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالشرع إلا بعد مجيء الشرع من أنواع العبادات والحدود. وأما القول بأنه تعالى يوفقهما للخير عند الامتحان في يوم القيامة فهي دعوى مجردة من غير برهان. فلا يلتفت إليه. قال النووي في شرح حديث أنس "إن رجلاً قال يا رسول الله! أين أبي؟ قال: في النار، قال: فلما قفى دعاه. فقال: إن أبي وأباك في النار، فيه أن من مات على الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة. فإن هؤلاء قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم-انتهى. وهذا يدل على أن النووي يكتفي في وجوب الإيمان على كل أحد ببلوغه دعوة من قبله من الرسل، وإن لم يكن مرسلاً إليه، وإلى ذلك ذهب الحليمي، كما صرح به في منهاجه. وقال القاري: الجمهور على أن والديه - صلى الله عليه وسلم - ماتا كافرين، وهذا الحديث أصح ما ورد في حقهما. وأما قول ابن حجر: وحديث إحيائهما حتى آمنا به ثم توفيا حديث صحيح، وممن صححه الإمام القرطبي والحافظ ابن ناصر الدين، فعلى تقدير صحته لا يصلح أن يكون معارضاً لحديث مسلم، مع أن الحفاظ طعنوا فيه ومنعوا جوازه أيضاً بأن إيمان اليأس غير مقبول إجماعاً، كما يدل عليه الكتاب والسنة، وبأن الإيمان المطلوب من المكلف إنما هو الإيمان الغيبي. وقد قال تعالى:{ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}[الأنعام:٢٨] . وهذا الحديث الصحيح صريح أيضاً في رد ما تثبت به بعضهم بأنهما كانا من أهل الفترة ولا عذاب عليهم مع اختلاف في المسألة. واعلم أن هذه المسألة كثير النزاع والخلاف بين العلماء، فمنهم من نص على عدم نجاة الوالدين كما رأيت في كلام القاري والنووي، وقد بسط الكلام في ذلك القاري في شرح الفقه الأكبر، وفي رسالة مستقلة له، ومنهم من شهد لهما بالنجاة كالسيوطي، وقد ألف في هذه المسألة سبع رسائل بسط الكلام فيها وذكر الأدلة من الجانبين. من شاء رجع إليها. والأسلم والأحوط عندي هو التوقف والسكوت. (فزوروا القبور فإنها) أي القبور أو زيارتها. (تذكر الموت) في مسلم: تذكركم الموت يعني وذكر الموت يزهد في الدنيا ويرغب في العقبى. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والحاكم (ج١:ص٣٧٥) والبيهقي (ج٤:ص٧٦) وعزاه المجد ابن تيمية في المنتقى إلى الجماعة بدون استثناء، وهو وهم منه، فإن هذا الحديث من أفراد مسلم، ولم أجده في الترمذي أيضاً، ولا عزاه إليهما غيره كالجزري في جامع الأصول (ج١١:ص٤٣٩)