عن النار، وأنتم تقحمون فيها)) . هذه رواية البخاري، ولمسلم نحوها، وقال في آخرها: قال: ((فذلك مثلى ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، تقحمون فيها)) . متفق عليه.
ــ
معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة، وخص ذلك بالذكر؛ لأن أخذ الوسط أقوى وأوثق من الأخذ بأحد الطرفين في التبعيد. (عن النار) وضع المسبب موضع السبب؛ لأن المراد أنه يمنعهم من الوقوع في المعاصي التي تكون سبباً لولوج النار. (وأنتم تقحمون) من باب التفعل بحذف إحدى التائين، وفي نسخة صحيحة "تقتحمون" من باب الافتعال، (هذه) أي هذه الألفاظ أو ما ذكر من أول الحديث إلى هنا، والتأنيث باعتبار الخبر، وفي نسخة "هذا" أي هذا اللفظ. (رواية البخاري) أي في باب الانتهاء عن المعاصي من الرقاق، (ولمسلم نحوها) أي نحو رواية البخاري معنى. (وقال) أي مسلم (في آخرها) أي في آخر روايته (قال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (فذلك) أي المثل لمذكور (مثلي ومثلكم أنا آخذ) روي بالوجهين (هلم عن النار) أي أسرعوا إلي وأبعدوا أنفسكم عن النار، وهو في محل النصب على الحال، أي آخذ بحجزكم وأمنعكم قائلاً هلم. (فتغلبوني) النون مشددة، إذ أصله "تغلبونني" فأدغم نون الجمع في نون الوقاية، والفاء للسببية والتقدير: أنا آخذ بحجزكم لأخلصكم من النار، فجعلتم الغلبة مسببة عن الأخذ. (تقحمون فيها) حال من فاعل تغلبوني، وقيل: بدل مما قبله. وفي مسلم "وتقحمون" أي بزيادة الواو. قال النووى: مقصود الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة، وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم، بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه، وضعف تمييزه، فكلاهما حريص على هلاك نفسه، ساع في ذلك لجهله - انتهى. وقال الطيبي: تحقيق التشبيه الواقع في هذا الحديث يتوقف على معرفة معنى قوله تعالى: {تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون}[٢٢٩:٢] . وذلك أن حدود الله محارمه ونواهيه، كما في الحديث الصحيح: ألا إن حمى الله محارمه، ورأس المحارم حب الدنيا وزينتها، واستيفاء لذاتها وشهواتها، فشبه - صلى الله عليه وسلم - إظهار تلك الحدود ببياناته الشافية الكافية من الكتاب والسنة باستيقاد الرجل النار، وشبه فشو ذلك في مشارق الأرض ومغاربها بإضاءة تلك النار ما حول المستوقد، وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان، وتعديهم حدود الله، وحرصهم على استيفاء تلك اللذات والشهوات، ومنعه إياهم عن ذلك بأخذ حجزهم، بالفراش التي يقتحمن في النار، ويغلبن المستوقد على دفعهن عن الاقتحام، كما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من الاستضاءة والاستدفاء وغير ذلك، والفراش لجهلها جعلته سبباً لهلاكها، فكذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء الأمة واجتنابها ما هو سبب هلاكهم، وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها مقتضية لترديهم، كذا في الفتح. (متفق عليه) فيه أنه مستغنى عنه بما سبق، فإيراده لمجرد التأكيد، على أن المراد بالاتفاق هنا يحسب المعنى في الأكثر. وأخرجه أيضاً الترمذي، وصححه، وأخرج أحمد ومسلم نحوه عن جابر.