للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطية، ثم قال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟)) .

ــ

البقر (أو) كان المأخوذ (شاة) يحملها على رقبته حال كونها (تيعر) بفتح الفوقية وسكون التحتية وفتح العين المهملة بعدها راء، ويجوز كسر العين أي تصيح وتصوت، واليعار صوت الشاة الشديد. قال في المفاتيح: يعني من سرق شيئاً في الدنيا من مال الزكاة أو غيرها يجيء يوم القيامة، وهو حامل لما سرق إن كان حيواناً له صوت رفيع ليعلم أهل العرصات حاله، فيكون فضيحته أشهر، كما قال تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: ١٦١] وقال التوربشتي: لما كان الرغاء والخوار من الأصوات التي يسمعها البعيد كما يسمعها القريب قال له رغاء وله خوار، فلما انتهى إلى الشاة جعل الصياح صفة لازمة لها ليدل على أنها لا تزال تيعر بين أهل الموقف ليكون ذلك أنكل في العقوبة وأبلغ في الفضيحة- انتهى. (ثم رفع يديه) أي وبالغ في رفعهما (حتى رأينا عفرة إبطيه) بضم العين المهملة وسكون الفاء وفتح الراء آخرة هاء تأنيث أي بياضهما المشرب بالسمرة والعفرة بياض ليس بخالص (اللهم هل بلغت) بالتشديد أي قد بلغت أو استفهام تقريري، والمراد بلغت حكم الله إليكم امتثالاً لقوله تعالى له: {بلغ} [المائدة: ٦٧] وإشارة إلى ما يقع في القيامة من سؤال الأمم هل بلغهم أنبياءهم ما أرسلوا به إليهم (اللهم هل بلغت) وفي رواية لمسلم: قال اللهم هل بلغت مرتين ومثله لأبي داود ولم يقل مرتين. وفي رواية للبخاري: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت ثلاثاً. وفي أخرى له: ألا هل بلغت ثلاثاً أي أعادها ثلاث مرات وكرر هذا لتقرير وعظه على الناس ليكون أكثر وقعاً وتعظيماً وحفظاً في خواطرهم يعني الله تعالى شاهدي على تبليغ حال السرقة حتى لا ينكروا تبليغي يوم القيامة. وفي الحديث من الفوائد محاسبة العامل والمؤتمن، وأن المحاسبة تصحح أمانته، وهو أصل فعل عمر في محاسبة العمال. وفيه أن هدايا العمال تجعل في بيت المال، وأن العامل لا يملكها إلا أن يطيبها له الإمام كما في قصة معاذ، أنه عليه السلام طيب له الهداية، فأنفذها له أبوبكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في الفتح: في الحديث منع العمال من قبول الهدية ممن له عليه حكم، ومحل ذلك إذا لم يأذن له الإمام في ذلك، لما أخرجه الترمذي من رواية قيس بن أبي حازم عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: لا تصيبن شيئاً بغير أدنى، فإنه غلول. وقال المهلب: فيه أنها إذا أخذت تجعل في بيت المال، ولا يختص العامل منها إلا بما أذن له فيه الإمام، وهو مبني على أن ابن اللتبية أخذ منه ما ذكر أنه أهدى له وهو ظاهر السياق، ولكن لم أر صريحاً. ونحوه قول ابن قدامة في المغني (ج٩ ص٧٨) لما ذكر الرشوة والهدية التي ليس للحاكم قبولها فعليه ردها إلى أربابها، لأنه أخذها بغير حق، فأشبه المأخوذ بعقد فاسد. ويحتمل أن يجعلها في بيت المال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن اللتبية برد الهدية التي أهديت له على من أهداها. وقال ابن بطال: يلحق بهدية العامل الهدية لمن له دين ممن عليه الدين، ولكن له أن يحاسب بذلك من دينه

<<  <  ج: ص:  >  >>