عبد الله بن وهب" لا صدقة على الرجل في خيله ولا في رقيقه، ولا يتمشى فيه تأويل ابن الهمام ويرد تأويله أيضاً ما رواه مالك في "الموطأ" عن الزهري عن سليمان بن يسار إن أهل الشام قالوا: لأبي عبيدة بن الجراح خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر بن الخطاب فأبى عمر - الحديث. فافهم. وأما ما ذكر لتأييد ذلك من القرينة اللفظية ففيه أن الأصل أن يبقى اللفظ المطلق على إطلاقه والعام على عمومه ولا يقيد ولا يخص إلا بدليل شرعي، وقد قام الدليل من السنة والإجماع على وجوب الزكاة في عبد التجارة. فلم يكن بد من حمل العبد في الحديث على عبد الخدمة بخلاف الفرس، فإنه لم يقم دليل شرعي على استثناء غير فرس التجارة ولم يرد في السنة ما يدل على وجوب الزكاة في شي من الفرس إلا ما كان للتجارة فلا يصح حمل لفظ الفرس في الحديث على فرس الركوب خاصة وإستثناء السائمة منه وأما ما أشار إليه من حديث مانعي الزكاة في الصحيحين فليس فيه ما يوجب حمله على فرس الركوب كما ستعرف. وأجاب عن الحديث في "المحيط البرهاني" بأن المنفي ولاية أخذ الساعي فإن الفرس مطمع كل طامع، فالظاهر أنه إذا علموا به لا يتركوه لصاحبه- انتهى. وحاصله: أنه لم يرد نفي الزكاة عن الفرس رأسا بل أراد عدم وجوب أداءها إلى بيت المال على شاكلة الأموال الباطنة. قلت: لا دليل على هذا الحمل وظاهر الحديث يرده فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نفى الصدقة عن الفرس والعبد معاً بكلام واحد، فكما أن الزكاة معفوة ومنفية عن عبد غير التجارة رأساً كذلك منفية وساقطة عن الفرس الذي لم يكن للتجارة، وفي الفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة عندي كلام. قال ابن الهمام: معتذراً عن عدم أخذه - صلى الله عليه وسلم - الزكاة عن الفرس ما نصه وعدم أخذه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن في زمانه أصحاب الخيل السائمة من المسلمين، بل أهل الإبل وما تقدم. إذ أصحاب هذه إنما هم أهل المدائن والدشت والتراكمة وإنما فتحت بلادهم في زمن عمر وعثمان- انتهى. قلت: هذا الاعتذار إنما يحتاج إليه لو ثبت وجوب الزكاة في الفرس السائمة بحديث مرفوع صحيح صريح فإنه حينئذٍ يسوغ أن يقال. بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما لم يأخذ الزكاة عن الفرس مع الوجوب لعزة أصحاب الخيل السائمة من المسلمين في ذلك الوقت لكن لم يثبت الوجوب بحديث مرفوع صحيح أصلاً وإنما لم يأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الزكاة عن الفرس كما لم يأخذ عن الرقيق. لأنه لا زكاة فيهما أصلاً، لا لكون الخيل قليلة إذ ذاك ولا أنه ترك زكاتها إلى المالكين بأن يؤدوها فيما بينهم وبين الله لمعنى يعلمه على أن أهل اليمن قد كانت عندهم الخيل كما يدل عليه رواية عبد الرزاق الآتية، وهم قد أسلموا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقل أنه أخذ زكاتها منهم ولا أنه أمرهم بأدائها فيما بينهم وبين الله تعالى. قلت: واحتج الحنفية على أصل الوجوب بما تقدم من حديث أبي هريرة وهو أقوى ما احتجوا به، وفيه الخيل ثلاثة هي لرجل وزر وهي لرجل ستر وهي لرجل أجر قال: وأما التي هي له ستر فرجل ربطها