حديث جابر فالمراد بالخرص فيه الخرص في المزارعة والمساقاة والبيع لا في الصدقة والعرايا، قال الخطابي: وأما قول أصحاب الرأي: إنه تخمين وغرور فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار وأدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير كما يعلم ذلك بالمكاييل والموازين، وإن كان بعضها أحصر من بعض. وإنما هذا كإباحته الحكم بالاجتهاد عند عدم النص مع كونه معرضاً للخطأ، وفي معناه تقويم المتلفات من طريق الاجتهاد وباب الحكم بالظاهر باب واسع لا ينكره عالم - انتهى. الرابع: إنه من باب المزابنة المنهي عنها، وهو بيع الثمر في رؤس النخل بالتمر كيلاً، وهو أيضاً من باب بيع الرطب بالتمر نسيئة فيدخله المنع من التفاضل، ومن النسيئة وكلاهما من أصول الربا. وأجيب عن هذا بأن الخرص مستثنى من تلك الأصول كالعرايا بل هو أصل مستقل بنفسه يدل على ذلك ورود السنة به قولاً وعملاً وتعامل المسلمين من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلى زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم. الخامس: إنه كيف يجوز ذلك وقد يجوز أن يحصل للثمرة آفة تتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذ، بدلاً مما لا يسلم له أعتل به الطحاوي. وأجيب بأن القائلين بالخرص لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص. قال ابن المنذر: اجمع من يحفظ عنه العلم إن المخروص إذا أصابته جائحة، قبل الجذاذ فلا ضمان بخلاف ما إذا أتلفه المالك، فإنه يضمن نصيب الفقراء أي تؤخذ منه الزكاة بحساب ما خرص، والفرق بين الإتلاف والتلف مما لا ينكره عالم. السادس: إن الخرص كان خاصاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوافق له غيره ذكره أبوعبيد (ص٤٩٢) ثم تعقبه (ص٤٩٣) بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له، سواء أن يثبت بذلك الخصوصية، وإن كان المرأ لا يجب عليه الإتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه، كتسديد الأنبياء لسقط الإتباع: قال الحافظ: وترد هذه الحجة أيضاً بإرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - الخراص في زمانه والله أعلم - انتهى. قال الماوردي: واحتج أبوحنيفة بما رواه جابر مرفوعاً نهى عن الخرص. وبما رواه جابر بن سمرة إن رسول الله نهى بيع كل ثمرة يخرص وبأنه تخمين، وقد يخطىء وبأنه تضمين رب المال بقدر الصدقة، وذلك غير جائز؛ لأنه بيع رطب بتمر وأنه بيع حاضر بغائب. وأجيب عن الحديثين بأن المراد من الخرص فيهما الخرص في المزارعة والمساقاة لا في الصدقة كما تقدم. وأما القول بأنه تخمين وقد يخطىء، وبأنه بيع رطب بتمر الخ. فقد تقدم جوابه أيضاً فتذكر. وأعلم أنه اختلف القائلون بالخرص هل يختص أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به رطباً وجافاً؟. وبالأول قال شريح القاضي وبعض الظاهرية. (قال ابن رشد: لأنه لم يصح عندهم حديث عتاب) والثاني قول الجمهور. وإلى الثالث نحا البخاري. وهل يمضي قول الخارص أو يرجع ما آل إليه الحال بعد الجفاف الأول