فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع)) .
ــ
وحزرتم أيها السعاة والمصدقون (فخذوا) أي زكاة المخروص إن سلم من الآفة وهو بضم الخاء والذال المعجمتين أمر من الأخذ، وفي بعض نسخ أبي داود فجذوا بالجيم والدال من الجذ، أي فقطعوا، وفي بعضها فجدوا بالدال المهملة وهو القطع أيضاً وعلى هاتين النسختين جزاء الشرط محذوف، أي إذا خرصتم. ثم قطع أرباب النخل ثمرها فخذوا زكاة المخروص. وقيل: جذوا بضم الجيم صيغة أمر وهو جزاء الشرط، أي رخصوا لهم في الجذاذ وذلك لأن الجذر ليس إلى المصدقين (ودعوا) أي أتركوا (الثلث) بضم اللام. قال الطيبي:"فخذوا" جواب الشرط "ودعوا" عطف عليه أي إذا خرصتم فبينوا مقدار الزكاة، ثم خذوا ثلثي ذلك المقدار واتركوا الثلث لصاحب المال، حتى يتصدق به أي على جيرانه ومن يطلب منه. قال القاضي: الخطاب مع المصدقين أمرهم أن يتركوا للمالك ثلث ما خرصوا عليه أو ربعة توسعة عليه حتى يتصدق به هو على جيرانه، ومن يمر به ويطلب منه فلا يحتاج إلى أن يغرم ذلك من ماله- انتهى. قال الأمير اليماني: قد اختلف في معنى الحديث على قولين أحدهما: أن يترك الثلث أو الربع من العشر. وثانيهما: أن يترك ذلك من نفس الثمر قبل أن يعشر. وقال الشافعي: معناه أن يدع ثلث الزكاة أو ربعها ليفرقها هو على أقاربه وجيرانه. وقيل: يدع له ولأهله قدرما يأكلون ولا يخرص. قال في الشرح: والأولى الرجوع إلى ما صرحت به رواية جابر وهو التخفيف في الخرص ويترك من العشر قدر الثلث أو الربع، فإن الأمور المذكورة قد لا تدرك الحصاد فلا تجب فيها الزكاة- انتهى. قلت: حديث جابر رواه ابن عبد البر من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً. قال: خففوا في الخرص فإن في المال العرية والوطئة والآكلة- الحديث. كذا في التلخيص، ويؤيده ما روى الدارقطني (ص٢١٨) والطبراني عن سهل ابن أبي حثمة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بعث أباه أباحثمة خارصاً فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إن أباحثمة زاد علي، فدعا أباحثمة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن ابن عمك يزعم أنك قد زدت عليه فقال: يا رسول الله! قد تركت عرية أهله وما تطعمه المساكين وما يصيب الريح. فقال: قد زادك ابن عمك وأنصف- انتهى. وفيه محمد بن صدقة وهو ضعيف. واختلف العلماء في العمل بحديث الباب، فذهب مالك وسفيان وأبوحنيفة إلى أنه لا يترك لرب المال شيء، بل يحسب عليه ما أكل من ثمرة قبل الجذاذ في النصاب. قال الحافظ: وهو المشهور عن الشافعي. وقال ابن الملك وابن حجر: هو قول الشافعي في الجديد. قيل والجواب عن هذا الحديث إنه كان في حق يهود خيبر، وكانت قصتهم مخصوصة لأن الأرض أرضه والعبيد عبيده، فأمر - صلى الله عليه وسلم -: أن يترك لهم منها قدر نفقاتهم. وأجاب بعضهم بأن معنى الحديث أن يترك لهم ذلك من العشر الواجب ليتصدقوا منه بأنفسهم على الفقراء من أقاربهم وجيرانهم كما سبق عن الشافعي، وليس المعنى أنه لا زكاة عليهم في