ذلك أو لا يحسب لهم ما أكلوه في النصاب، وأجيب أيضاً بأن المراد به مؤنة الزرع أو مؤنة الأرض فيوضع ذلك ولا يحسب في النصاب. قال ابن العربي: والمتحصل من صحيح النظر أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤنة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطباً. وذهب أحمد والليث وإسحاق والشافعي أيضاً على ما قال ابن رشد (ج١ ص٢٤١) وابن حزم إلى ظاهر الحديث. فقالوا: يترك لهم في الخرص من عرض المال الثلث أو الربع ولا يحسب ذلك في النصاب. قال الخطابي: ذهب بعض العلماء في تأويل الحديث إلى أنه متروك لهم من عرض المال توسعة عليهم، فلو أخذوا بإستيفاء الحق كله لا ضر ذلك بهم، وقد يكون منها السقاطة وبنتابها الطير ويخترفها الناس للأكل فترك لهم الربع توسعة عليهم. وكان عمر بن الخطاب يأمر الخراص بذلك، وبقول عمر قال أحمد وإسحاق. وذهب غير هؤلاء إلى أنه لا يترك لهم شيئاً شائعاً في جملة النخل بل يفرد لهم نخلات معدودة، قد علم مقدار ثمرها بالخرص- انتهى. قال الحافظ: قال بظاهر الحديث الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم، وفهم منه أبوعبيد في كتاب الأموال أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه: فقال يترك قدر احتياجهم- انتهى. وقال ابن قدامة:(ج٢ ص٧٠٦) وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع توسعة على أرباب الأموال. لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقائهم وسؤالهم، ويكون في الثمرة السقاطة وينتابها الطير، وتأكل منه المارة فلو استوفى الكل منهم أضر بهم، وبهذا قال إسحاق ونحوه. قال الليث وأبوعبيد: والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاد فإن رأي الآكلة كثيراً ترك الثلث وإن كانوا قليلاً ترك الربع، لحديث سهل بن أبي حثمة. وروى أبوعبيد (ص٤٨٧) بإسناده عن مكحول قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا بعث الخراص قال: "خففوا فإن المال العرية والوطئة" وروى عن عمر أنه قال: خففوا على الناس في الخرص فإن المال العرية والواطئة والآكلة. قال أبوعبيد: الواطئة السابلة سموا بذلك، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين والآكلة أرباب الثمار وأهلوهم ومن لصق بهم، ومنه حديث سهل بن أبي حثمة في مال سعد بن أبي سعد حين قال: لولا إني وجدت فيه أربعين عريشاً الخرصة تسعمأة وسق، وكانت تلك العرش لهؤلاء الآكلة والعرية النخلة أو النخلات يهب إنسانا ثمرتها فجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ليس في العرايا صدقة. وروى ابن المنذر (وأبوعبيد والحاكم والبيهقي) عن عمر أنه قال لسهل بن أبي حثمة: إذا أتيت على نخل قد حضرها قوم فدع لهم ما يأكلون، والحكم في العنب كالحكم في النخيل سواء، فإن لم يترك لهم الخارص شيئاً فلهم الآكل قدر ذلك، ولا يحتسب عليهم به؛ لأنه حق عليهم- انتهى. (رواه الترمذي وأبوداود والنسائي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج٤ ص٢، ٣) و (ج٣ ص٤٤٨) والنسائي وابن حبان والحاكم (ج١ ص٤٠٢) والبيهقي (ج٤ ص١٢٣)