وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،
ــ
معصية الخالق (وإن كان عبداً حبشياً) أي ولوكان الأمير الذى ولاه الخليفة عليكم أدنى الخلق فلا تستنكفوا عن إطاعته مخافة إثارة الحروب وتهييج الفتن وظهور الفساد في الأرض، وفي رواية الحاكم: وإن أمر عليكم عبد حبشي. وفيه دليل على أن الكلام في الأمير الذي ولاه الخليفة لا في الخليفة حتى يرد أنه كيف يكون الخليفة عبداً حبشيا، ويشهد لذلك حديث على عند الحاكم:((وإن أمرت قريش فيكم عبداً حبشياً مجدعاً فاسمعوا له وأطيعوا)) . إسناده جيد، على أن المحل محل المبالغة في لزوم الطاعة، ففرض الخليفة عبدا حبشيا لإفادة المبالغة يحتمل. وقيل: هو محمول على المتغلب المتسلط فإنه تصح خلافته تسلطاً وتغلباً. (فإنه من يعش) بالجزم (منكم بعدي) الخ. هذا بمنزلة التعليل للوصية بما تقدم. أي السمع والطاعة مما يدفع الخلاف الشديد فهو خير، قال الطيبي: الفاء في "فإنه" للسببية جعل ما بعدها سبباً لما قبلها، يعني من قبل وصيتي والتزم تقوى الله، وقبل طاعة من ولي عليه، ولم يهيج الفتن أمن بعدي ما يرى من الاختلاف الكثير، وتشعب الآراء، ووقوع الفتن والحروب، وظهور البدع والأهواء (بسنتي) أي بطريقتي الثابتة عني واجباً أو مندوباً (وسنة الخلفاء) ؛ لأنهم فيما سنوه إما متبعون لسنة نفسها، وإما متبعون لما فهموا من سنتي في الجملة والتفصيل على وجه يخفى على غيرهم مثله (الراشدين) أي الذين أوتوا الرشد والسداد في مقاصدهم الصحيحة. (المهديين) أي الذين هداهم الله إلى الحق، والمعنى: الزموا طريقتهم، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم أشد الناس حرصاً عليها، وعملاً بها في كل شيء، وعلى كل حال، فالإضافة إليهم إما لاشتهارها في زمانهم وعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها. قال التوربشتي في شرح المصابيح: المعنيون بهذا القول هو الخلفاء الأربعة؛ لأنه قال في حديث آخر: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، وقد انتهت الثلاثون بخلافة علي، وليس معنى هذا القول نفي الخلافة عن غيرهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:((يكون في أمتي اثنا عشر خليفة)) وإنما المراد تفخيم أمرهم، وتصويب رأيهم، والشهادة لهم بالتفوق فيما يمتازون به عن غيرهم من الإصابة في العلم، وحسن السيرة، واستقامة الأحوال، ولهذا وصفهم بالراشدين، وهم الذين أوتوا رشدهم في مقاصدهم الصحيحة، وهدوا إلى الأقوم والأصلح في أقوالهم وأفعالهم. وإنما ذكر سنتهم في مقابلة سنته لأمرين: أحدهما علم أنه لا يخطئون فيما يستخرجونه من سنته باجتهادهم، والثاني أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أن بعضاً من سننه لا يشتهر بزمانه، وإن علم الأفراد من أصحابه ثم يشتهر في زمانهم فيضاف إليهم، فربما يستدرع أحد من رد تلك السنن بإضافتها إليهم فأطلق القول باتباع سنتهم سداً لهذا الباب -انتهى مختصراً. وقيل: الحديث عام في كل خليفة راشد لا يخص الخلفاء الراشدين الأربعة، ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليس المراد في الحديث بسنة الخلفاء الراشدين، إلا طريقتهم الموافقة لطريقته - صلى الله عليه وسلم - من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها. وقال الشوكاني في مجموعة فتاواه التي سماها ولده بالفتح الرباني في الجواب عن معنى هذا الحديث: المراد بالسنة الطريقة، فكأنه قال: الزموا