للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

........................

ــ

هذا الاستدلال. والثاني: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض صدقة الفطر صاعاً من طعام والبر مما يطلق عليه اسم الطعام إن لم يكن غالباً فيه، وتفسيره بغير البر إنما هو؛ لأنه لم يكن معهوداً عندهم، فلا يجزيء دون الصاع منه، قاله الشوكاني: وهذا إنما يتمشى لوورد الحديث بلفظ: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من طعام، ولكنه لم يقع في رواية أصلاً. ولو سلمنا فيمكن أن يقال إن البر على تسليم دخوله تحت لفظ الطعام مخصص، والأحاديث المرفوعة التي جاءت بنصف الصاع من البر. قال الشوكاني في النيل وفي السيل الجرار: وهي تنتهض بمجموعها للتخصيص- انتهى. والثالث: إن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع اختلافها في القيمة، دل ذلك على أن المراد إخراج هذا المقدار أي الصاع من أي جنس كان، ولا نظر إلى قيمته فلا فرق بين الحنطة وغيرها واستدل لمن قال بنصف الصاع من البر بأحاديث مرفوعة ذكرها الزيلعي (ج٢ ص٤١٨ و٤٢٣) والعيني (ج٩ ص١١٤، ١١٥) وسيأتي بعضها في هذا الباب وكلها مدخولة ضعفها أهل العلم بالحديث واستدل لهم أيضاً بأنه صار الإجماع على نصف الصاع من البر في زمن الصحابة. ففي رواية لمسلم: قال أبو سعيد كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية حاجاً أو معتمراً فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس: أن قال إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك الحديث. قال النووي: هذا الحديث هو الذي اعتمده أبوحنيفة وموافقوه. والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي، وقد خالفه أبوسعيد وغيره ممن هو أطول صحبة وأعلم بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد صرح معاوية بأنه رأى رأه لا أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقته معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذكره كما جرى لهم في غير هذه القضية - انتهى. وأجاب الزيلعي عن هذا بأنه قد وافق معاوية غيره من الصحابة الجم الغفير بدليل قوله "فأخذ الناس" بذلك ولفظ "الناس" للعموم فكان إجماعاً وكذلك قول ابن عمر فعدل الناس به مدين من حنطة ولا يضر مخالفة أبي سعيد لذلك؛ لأنه لا يقدح في الإجماع - انتهى. قلت: هذا عجيب فإن الأصوليين قد صرحوا بأن مخالفة الواحد تمنع انعقاد لإجماع فكيف تصح دعوى انعقاد الإجماع من مخالفة أبي سعيد. وقد تقدم قول الحافظ إن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة قال: ومن جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فعل ذلك بالاجتهاد بناء منه على أن قيم ماعدا الحنطة متساوية، وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن، لكن يلزم على قولهم إن تعتبر القيمة في كل زمان فيختلف الحال، ولا ينضبط

<<  <  ج: ص:  >  >>