١٨٤٣- (٨) وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس المسكين الذي يطوف على الناس، ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان)) .
ــ
حقارة الشيء أوضح في المراد، ولذا ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشأة. وأغرب الغزالي في الأحياء فذكر الحديث بلفظ: ولو دعيت إلى كراع الغميم ولا أصل لهذه الزيادة. وقد أخرج الترمذي (في الأحكام من الجامع وفي الشمائل) من حديث أنس وصححه مرفوعاً لو أهدى إلى كراع لقلبت ولو دعيت عليه لأجبت، وأخرج الطبراني من حديث أم حكيم بنت وادع الخزاعية إنها قالت يا رسول الله! تكره رد الظلف قال ما أقبحه لو أهدى إلى كراع لقلبت الحديث ويستفاد سببه من هذه الرواية (ولو أهدى) بضم الهمزة وكسر الدال (إلي) بتشديد الياء (ذراع) بكسر الذال المعجمة وهو الساعد وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب أكله لأنه مبادي الشاة وأبعد عن الأذى ولسرعة نضجه. قال القسطلاني: ولأبي ذر كراع أي بدل ذراع (لقلبت) أي ليحصل التحابب والتألف فإن الرد يحدث النفور والعداوة فيندب قبول الهدية ولو لشيء قليل. قال الحافظ: خص الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع كاتب أحب إليه من غيرها، والكراع لا قيمة له. وفي الحديث دليل على حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - وتواضعه وجبره القلوب الناس وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله، ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل (رواه البخاري) في الهبة وفي الوليمة من كتاب النكاح وأخرجه الترمذي من حديث أنس.
١٨٤٣- قوله:(ليس المسكين) أي المذكور في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}[التوبة:٦٠] والمسكين مفعيل بكسر الميم من السكون فكأنه من قلة المال سكنت حركاته. ولذا قال تعالى:{أو مسكيناً ذا متربة}[البلد: ١٦] أي لاصق بالتراب قاله القرطبي: (الذي يطوف) أي يدور ويتردد (على الناس) ليسألهم صدقة عليه (ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان) جملة حالية أي يرد هو على الأبواب لأجل اللقمة أو إنه إذا أخذ لقمة رجع إلى باب آخر، فكان اللقمة ردته من باب إلى باب. والمراد ليس المسكين الكامل الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها المردود على الأبواب لأجل اللقمة، ولكن الكامل الذي لا يجد الخ فليس المراد نفي المسكنة عن الطواف بل نفي كمالها لأنهم أجمعوا على أن السائل الطواف المحتاج مسكين. قال النووي: معناه المسكين الكامل المسكنة الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها ليس هو هذا الطواف بل هو الذي