ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقم فسأل الناس)) .
ــ
لا يجد غني الخ وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطواف بل معناه نفي كمال المسكنة كقوله تعالى:{ليس البر}[البقرة: ١٧٧] الآية وكقوله - صلى الله عليه وسلم - أتدرون من المفلس - الحديث انتهى. ويقرب منه ما قيل: ليس المراد نفي استحقاق الطواف الزكاة بل إثبات المسكنة لغير هذا المتعارف بالمسكنة وإثبات استحقاقه أيضاً لأن كلا منهما مصرف الزكاة حيث لا غنى لهما لكن الثاني أفضل. وقال السندي: المراد ليس المسكين المعدود في مصارف الزكاة هذا المسكين بل هذا داخل في الفقير، وإنما المسكين المستور الحال الذي لا يعرفه أحد إلا بالتفتيش، وبه يتبين الفرق بين الفقير والمسكين في المصارف (ولكن المسكين) أي الكامل في المسكنة بتخفيف نون لكن، فالمسكين مرفوع وبتشديدها فالمسكين منصوب (الذي لا يجد غني) بكسر الغين مقصوراً أي يسار، وفي رواية قالوا: فما المسكين يا رسول الله! قال: الذي لا يجد غني، وفي رواية إنما المسكين الذي يتعفف اقرؤا إن شئتم {لا يسألون الناس إلحافاً}(يغنيه) أي عن غيره ويكفيه وهي صفة لقوله "غنى" وهو قدر زائد على اليسار إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرأة أن يغني به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، واللفظ محتمل لأن يكون المراد نفي أصل اليسار، ولأن يكون المراد نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار، وعلى الاحتمال الثاني، ففيه إن المسكين هو الذي يقدر على مال أو كسب يقع موقعاً من حاجته ولا يكفيه كثمانية من عشرة وهو حينئذ أحسن حالاً من الفقير فإنه الذي لا مال له أصلاً، أو يملك ما لا يقع موقعاً من حاجته كثلاثة من عشرة. واحتج لذلك بقوله تعالى:{أما السفينة فكانت لمساكين}[الكهف: ٧٩] فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة لكنها لا تقوم بجميع حاجاتهم (ولا يفطن به) بصيغة المجهول مخففاً أي لا يعلم باحتياجه، وفي رواية له أي باللام بدل الباء الموحدة (فيتصدق عليه) بضم الياء مجهولاً (ولا يقوم فيسأل الناس) برفع المضارع الواقع بعد الفاء في الموضعين عطفاً على المنفي المرفوع فينسحب النفي عليه أي لا يفطن له فلا يتصدق عليه ولا يقوم فلا يسأل الناس، وبالنصب فيهما بأن مضمرة وجوباً لوقوعه في جواب النفي بعد الفاء. وقد يستدل بقوله ولا يقوم فيسأل الناس على أحد محملي قوله تعالى:{لا يسألون الناس إلحافاً}[البقرة:٢٧٣] إن معناه نفي السؤال أصلاً. وقد يقال لفظة يقوم تدل على التأكيد في السؤال فليس فيه نفي أصل السؤال. والتأكيد في السؤال هو الإلحاف وفي الحديث إن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة وفيه حسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يتحري وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح وفيه إن المسكين هو الجامع بين عدم الغنى وعدم تفطن الناس له لما يظن به لأجل تعففه وتظهره بصورة الغنى من عدم الحاجة، ومع هذا فهو مستعفف عن السؤال لكن قد تقدم إن معناه المسكين الكامل،