وليس المراد نفي أصل المسكنة (متفق عليه) أخرجه البخاري في الزكاة والتفسير، ومسلم في الزكاة وأخرجه أيضاً أحمد، ومالك في الجامع من الموطأ، وأبوداود والنسائي في الزكاة والبيهقي في قسم الصدقات. وفائدة اختلف العلماء في الفرق بين الفقير والمسكين في آية المصارف. فقال الشافعي: الفقير من لا شيء له أي لا مال له ولا حرفة تقع موقعاً. وقال أبوحنيفة: هو من له مال دون النصاب أو قدر نصاب غير تام وهو مستغرق في الحاجة. وأما المسكين فهو عند الشافعي من له شيء أي مال أو حرفة لكن لا يكفيه، وعند أبي حنيفة من لا شيء له فيحتاج إلى المسألة لقوته، فالفقير أسوأ حالاً من المسكين عند الشافعي. وبه قال الأصمعي. قال الحافظ: وهو قول جمهور أهل الحديث والفقه. وعند أبي حنيفة المسكين أسوأ حالاً من الفقير، وإليه ذهب ابن السكيت ويونس بن حبيب من أهل اللغة. وقيل: هما سواء. قال الحافظ: وهذا قول ابن القاسم وأصحاب مالك. وقال ابن الهمام: الفقير من له مال دون نصاب، أو قدر نصاب غير تام وهو مستغرق في الحاجة والمسكين من لا شيء له فيحتاج للمسألة لقوته، أو ما يواري بدنه. ويحل له ذلك بخلاف الأول فإنه لا يحل لمن يملك قوت يومه بعد ستره بدنه. وعند بعضهم لا يحل لمن كان كسوباً أو يملك خمسين درهماً. ويجوز صرف الزكاة لمن لا تحل له المسألة بعد كونه فقيراً، ولا يخرجه عن الفقر ملك نصب كثيرة غير نامية إذا كانت مستغرقة بالحاجة، ولذا قلنا يجوز للعالم، وإن كانت له كتب تساوي نصباً كثيرة على تفصيل ما ذكرنا فيما إذا كان محتاجاً إليها للتدريس، أو الحفظ أو التصحيح ولو كانت ملك عامي وليس له نصاب تام لا يحل دفع الزكاة له، لأنها غير مستغرقة في حاجته فلم تكن كثياب البذلة، وعلى هذا جميع آلات المحترفين إذا ملكها صاحب تلك الخرفة. والحاصل إن النصب ثلاثة نصاب: يوجب الزكاة على مالكه وهو النامي خلقه أو إعداد وهو سالم من الدين. ونصاب لا يوجبها: وهو ما ليس أحدهما فإن كان مستغرقاً لحاجة مالكه حل له أخذها وإلا حرمت عليه كثياب تساوي نصاباً لا يحتاج إلى ملكها، أو أثاث، لا يحتاج إلى استعماله كله في بيته وفرس لا يحتاج إلى خدمته وركوبه، ودار، لا يحتاج إلى سكناها فإن كان محتاجاً إلى ما ذكرنا حاجة أصلية فهو فقير يحل دفع الزكاة له وتحرم عليه المسألة. ونصاب يحرم المسألة: وهو ملك قوت يومه أو لا يملك لكنه يقدر على الكسب أو يملك خمسين درهماً على الخلاف في ذلك - انتهى. وإن شئت البسط للفرق بين الفقير والمسكين فارجع إلى تفسير روح المعاني (ج١٠ ص١٠٧- ١٠٨) للعلامة الآلوسي ومعالم السنن (ج٦ ص٦١- ٦٢) للخطابي وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (ج٤ ص١٤٢، ١٤٣) للعلامة الزبيدي والمغنى لابن قدامة (ج٦: ص٤٢٠- ٤٢١) وتفسير المنار للعلامة السيد محمد رشيد رضا تحت مصارف الزكاة.