للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتى إن كان منهم أتى أمه علانية، لكان في أمتي من يصنع ذلك. وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة،

ــ

الفتني. (حتى إن كان) "حتى" ابتدائية والواقع بعده جملة شرطية، و"إن" بمعنى لو، ولذا قرن جوابها باللام، وقيل: "إن" هذه مخففة من المثقلة، أي حتى إنه (من أتى أمه) إتيانها كناية عن الزنا، والمراد من الأم موطؤة الأب (من يصنع ذلك) أي الإتيان (وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة) ، وفي حديث أنس عند ابن ماجه: إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وفي حديث أبي أمامه, وأبي الدرداء، وواثلة بن الأسقع، وأنس عند الطبراني، وحديث عوف بن مالك عند ابن ماجه، وحديث أنس عند أبي يعلى ما يدل على أن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلهم في النار، وواحدة في الجنة، وإن النصارى افترقت على ثنتين وسبعين فرقة كلهم في النار، وواحدة في الجنة، وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي وغيره: تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو (على الشك) اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك. ولا تخالف بين هذه الروايات، فإنه يجمع بينها بأنه يمكن أن تكون رواية الإحدى والسبعين وقت أعلم بذلك، ثم أعلم بزيادة فرقة، إما أنها كانت فيهم ولم يعلم بها النبى - صلى الله عليه وسلم - أولاً ثم أعلم بها في وقت آخر، وإما أن تكون جملة الفرق في الملتين ذلك المقدار فأخبر به، ثم حدثت الثانية والسبعون فيهما فأخبر بذلك عليه السلام، وعلى الجملة فيمكن أن يكون الاختلاف بحسب التعريف بها أو الحدوث، والله أعلم بحقيقة الأمر. و"الملة" في الأصل ما شرع الله لعباده على ألسنة الأنبياء ليتوصلوا به إلى القرب من حضرته تعالى، ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها، ثم إنها اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة، فقيل: الكفر ملة واحدة، لأن طريقة أهل الكفر، وكذا طريقة كل فرقة من أهل الأهواء والبدع كالملة الحقيقية في التدين بما تدينوا به، فسميت باسمها مجازاً. (وتفترق أمتي) أي أمة الإجابة، فيكون الملل الثلاث والسبعون منحصرة في أهل قبلتنا، وإن كانت بدعة بعض هذه الملل مكفرة ومخرجة عن الإسلام، هذا هو المتبادر من إضافة اسم الأمة إليه - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيد اعتبار الواقع؛ لأن كل فرقة منهم تدعى الشريعة، وأنها على صوابها، وأنها المتبعة لها، وتتمسك بأدلتها، وتعمل على ما ظهر لها من طريقها، وتناصب العداوة من نسبتها إلى الخروج عنها، وترمي بالجهل وعدم العلم من ناقضها، لأنها تدعي أن ما ذهبت إليه هو الصراط المستقيم دون غيره، ويؤيده أيضاً أن افتراق أمة محمد شبه بافتراق اليهود والنصارى، ومن المعلوم أن افتراق بني إسرائيل وقع حال كونهم من أمة موسى وعيسى، أي شمول لفظ اليهود والنصارى، إياهم. (على ثلاث وسبعين ملة) أي يفترقون ثلاثاً وسبعين فرقة تتدين كل واحدة منها بخلاف ما تتدين به الأخرى. وفيه إشارة بل تصريح لتلك المطابقة مع زيادة هؤلاء في إرتكاب البدع بدرجة، وليس المراد بالافتراق في الحديث مطلق الافتراق حتى يدخل فيه ما وقع من الاختلاف في مسائل الفروع في زمان الخلفاء الراشدين، ثم في سائر الصحابة، ثم في التابعين، ثم في الأئمة المجتهدين، بل المراد به الافتراق المقيد، وهو التفرق الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>