أبي لاس يدلان على أن الحج من سبيل الله، وإن من جعل شيئاً من ماله في سبيل الله جاز له صرفه في تجهيز الحجاج، وإذا كان شيئاً مركوباً جاز حمل الحاج عليه، ويدلان أيضاً على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل الله من الزكاة إلى قاصدين الحج - انتهى. وبما روى ابن عبيد في الأموال عن أبي معاوية وابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي جعفر كلاهما عن الأعمش عن حسن إلى الأشرس عن مجاهد عن ابن عباس، أنه كان لا يرى بأساً أن يعطى الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منها الرقبة. وبما روى عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهماً في سبيل الله فقيل له أتجعل في الحج؟ فقال أما أنه من سبل الله أخرجه أبوعبيد بإسناد صحيح عنه. والقول الراجح عندي: هو ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد به الغزو والجهاد خاصة، لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه. قال ابن العربي في أحكام القرآن: قوله: "في سبيل الله " قال مالك سبل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافاً في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو. ولحديث عطاء بن يسار الذي نحن في شرحه وهو حديث صحيح مفسر لقوله: في سبيل الله في الآية فيجب حمله عليه، ولم أر عنه جواباً شافياً من أحد، وإليه ذهب ابن حزم إذ قال، وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق. ثم ذكر حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد من طريق أبي داود وهو الذي رجحه ابن قدامة حيث قال: وهذا أصح لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير، فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك لأن الظاهر أرادته به - انتهى. وهو الذي صححه الخازن في تفسيره حيث قال: والقول الأول هو الصحيح لإجماع الجمهور عليه، ورجحه أيضاً العلامة القنوجي البوفالي في تفسيره إذ قال: والأول أولى لإجماع الجمهور عليه وبه فسر الشوكاني في فتح القدير (ج٢:ص٣٥٦) ورجحه، واختاره أيضاً غيرهم من المفسرين. وأما الأحاديث التي استدل بها أهل القول الثاني فقد أجيب عنها بوجهين. الأول الكلام فيها إسناداً فإن حديث ابن عباس في إسناده عامر بن عبد الواحد الأحول وقد تكلم فيه أحمد والنسائي. وقال الحافظ: صدوق يخطيء. وقد روى الشيخان عن ابن عباس نحو هذه القصة وليس عندهما إنه جعل جملة حبيساً في سبيل الله ولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لو احججتها عليه كان في سبيل الله. وأما حديث أم معقل ففيه اضطراب كثير واختلاف شديد في سنده ومتنه حتى تعذر الجمع والترجيح مع ما في بعض طرقه من راو ضعيف ومجهول ومدلس قد عنعن، وهذا مما يوجب التوقف فيه وذلك لا يشك فيه من ينظر في طرق هذا الحديث في مسند الإمام أحمد وفي السنن مع حديث ابن عباس عند الشيخين وأبي داود وابن أبي شيبة، ومع قصة أم طليق عند ابن السكن وابن مندة والدولابي. وقد حمل ذلك بعضهم على