المذكورة في الحديث فقيل: هو للتكثير لا للتحديد، فإن الفرق المذمومة تزيد على المئات بالنظر إلى تفرقهم في الأصول والفروع. وقيل: معنى الحديث أن الفرق المذمومة لا بد أن تبلغ هذا العدد، أي لا ينقص عدد الفرق الغير الناجية من هذا المقدار، فلا بأس لو زاد على ذلك. والحاصل أن العدد المذكور ليس لنفي الزائد. وقيل: هو محمول على التحديد، فإن المراد بالتفرق تفرقهم في أصول الدين، والفرق المبتدعة مع شعبها وفروعها لا تزيد على هذا العدد بالنظر إلى ذلك. ثم اختلف أصحاب هذا القول في تعيين هذه الفرق، فعينها كثير من العلماء، لكن في الطوائف التي خالفت في مسائل العقائد، فمنهم من عد أصولها ثمانية. فقال: كبار الفرق الإسلامية ثمانية: المعتزلة القائلون: بأن العباد خالقوا أعمالهم، وبنفي الرؤية، وبوجوب الثواب والعقاب، وهم عشرون فرقة. والشيعة، وهم ثنتان وعشرون فرقة. والخوارج، وهم عشرون فرقة. والمرجئة، وهم خمس فرق. والنجارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال، والمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام، وهم ثلاث فرق. والجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد، فرقة واحدة. والمشبهة الذين يشبهون الحق بالخلق فرقة أيضاً. فالجميع اثنتان وسبعون فرقة. فإذا أضيفت الفرقة الناجية إلى عدد الفرق صار الجميع ثلاثاً وسبعين فرقة. وقد وصف صاحب المواقف هذه الفرق وفروعها وشعبها وما انفردت به من الآراء بأخصر ما كتب في هذا الموضوع، فارجع إليه. وقد عد الشاطبي أسماء أصول هذه الفرق وفروعها، ثم قال: وهذا التعديد بحسب ما أعطته المنة في تكلف المطابقة للحديث الصحيح، لا على القطع بأنه المراد، إذ ليس على ذلك دليل شرعي، ولا دل العقل أيضاً على انحصار ما ذكر في تلك العدة من غير زيادة ولا نقصان كما أنه لا دليل اختصاص تلك البدع بالعقائد، ومنهم من قال: أصول البدع أربعة، وسائر الثنتين والسبعين فرقة عن هؤلاء تفرقوا، وهم الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، قال يوسف بن أسباط: ثم تشعبت كل فرقة ثمان عشر فرقة، فتلك ثنتان وسبعون فرقة، والثالثة والسبعون هي الناجية. وقال الشهرستاني بعد ما ذكر ضابطاً في مسائل الخلاف، وحصرها في أربع قواعد هي الأصول الكبار ما لفظه: وإذا تعينت المسائل التي هي قواعد الخلاف، تبينت أقسام الفرق، وانحصرت كبارها في أربع بعد أن تداخل بعضها في بعض، كبار الفرق الإسلامية أربع القدرية، الصفاتية، الخوارج، الشيعة، ثم يتركب بعضها مع بعض، ويتشعب عن كل فرقة أصناف، فتصل إلى ثلاث وسبعون فرقة. ومنهم من قال: أصول الفرق الضالة ست: الحرورية، والقدرية، والجهمية، والمرجئة، والرافضة، والجبرية، وقد انقسمت كل فرقة منها اثنتي عشرة فرقة فصارت إلى اثنتين وسبعين فرقة، وهذا التقديران نحو من الأول يرد عليهما من الإشكال ما ورد على الأول، فالأولى أن لا تعين هذه الفرق الضالة المخالفة للفرقة الناجية في أصول الدين وقواعده، فإنه لا بأس لو لم نحط بأسماءها وآرائها تفصيلاً. ويقال: لا بد أن تبلغ هذه الفرق العدد المذكور في الحديث؛ لأن الزمان باق، والتكليف قائم، والخطرات متوقعه، والبدع قد نشأت إلى الآن، ولا تزال تحدث وتكثر مع مرور الأزمنة إلى قيام الساعة. وإلى عدم التعيين مال أبوبكر الطرطوشي. قال الشاطبي: وهو أصح في النظر؛ لأن ذلك التعيين ليس عليه دليل، والعقل لا يقتضيه. وإن سلمنا أن الدليل قائم له على ذلك فلا ينبغي التعيين لوجوه ثلاثة فذكرها، ثم قال: فمن هنا لا ينبغي للراسخ