في العلم أن يقول: هؤلاء الفرقهم بنو فلان وبنو فلان، وإن كان يعرفهم بعلامتهم بحسب اجتهاده، اللهم إلا في موطنين: أحدهما حيث نبه الشرع على تعيينهم كالخوارج، فإنه ظهر من استقرائه أنهم متمكنون تحت حديث الفرق، ويجرى مجراهم من سلك سبيلهم، ثم ذكر الأحاديث التي وردت في تعيين أهل القدر وذمهم، وقد تقدم بعضها في باب الإيمان بالقدر. قال: والموطن الثاني الذي يجوز فيه التعيين حيث تكون الفرقة تدعوا إلى ضلالتها وتزينها في قلوب العوام، ومن لا علم عنده، فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، وهم من شياطين الإنس، فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدعة والضلالة، ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت له الشهود على أنهم منهم. قال: ولما تبين أنهم أي الفرق المذكورة في الحديث لا يتعينون فلهم خواص وعلامات يعرفون بها، وهي على قسمين: علامات إجمالية، وعلامات تفصيلية، فأما العلامات الإجمالية فثلاثة: أحدها الفرقة أي التي تكون سبباً للتخرب، ومستلزماً للعداوة والبغضاء والتدابر والقطيعة. والثانية اتباع المتشابه من القرآن، وترك المحكم. والثالثة اتباع الهوى وتقديمه على الأدلة الشرعية، والاعتماد على الرأى، وتحكيم العقل. ثم ذكر ما يعرف به هذه الخواص والعلامات، ومن يرجع إليه في معرفتها، ثم قال: وأما العلامة التفصيلية في كل فرقة فقد نبه عليها وأشير إلى جملة منها في الكتاب والسنة، وفي ظني أن من تأملها في كتاب الله وجد منبهاً عليها، ومشاراً إليها، ولولا فهمنا من الشرع الستر عليها لكان في الكلام في تعيينها مجال متسع، مدلول عليه بالدليل الشرعي، قال: فأنت ترى أن حديث افتراق الأمة لم يعين في الرواية الصحيحة واحدة منها لهذا المعنى المذكور. والله أعلم. وإنما نبه عليها في الجملة لتحذر مظانها، وعين في الحديث، المحتاج إليه منها، وهي الفرقة الناجية ليتحراها المكلف، وسكت عن ذلك في الرواية الصحيحة؛ لأن ذكرها في الجملة يفيد الأمة الخوف من الوقوع فيها، وذكر في الرواية الأخرى فرقة من الفرق الهالكة، كما قال: أشد الفرق فتنة على الأمة. (كلهم في النار) أي يستحقون الدخول في النار من أجل اختلاف العقائد، فمن أفضى به بدعته إلى الكفر يدخل فيها ألبتة دخولها مؤبداً، ومن لم يكن كذلك فهو ممن يستحق النار إن لم يعف الله عنه، فإن عفا عنه فله العفو إن شاءالله. (إلا ملة واحدة) بالنصب أي إلا أهل ملة واحدة، أي فلا يدخلون النار من جهة اختلاف العقائد. وقيل: المعنى يدخل أصحاب الملل الضالة النار بسب بدعهم، ثم يخرجون منها برحمة الله، ويدخلون الجنة إلا أهل ملة واحدة، فلا يدخلون النار أصلاً، بل يدخلون الجنة أولاً، وهم المتمسكون بالكتاب والسنة، الموافقون لجماعة الصحابة، المجتنبون عن الابتداع في الاعتقاد، والعمل والقول اجتناباً كلياً، وإن كان صدر من أحد منهم ذنب غير بدعة، عفا الله عنه برحمته، أو يكون سكرات الموت، أو شدائد القبر، أو أهوال المحشر كفارة له، فيدخل الجنة ابتداء. قال الشاطبي: قوله: "كلها في النار" وعيد يدل على أن تلك الفرق قد ارتكبت كل واحدة منها معصية كبيرة، أو ذنباً عظيماً لما تقرر في الأصول أن ما يتوعد عليه الشر فخصوصيته كبيرة، إذ لم يقل "كلها في النار" إلا من جهة الوصف الذي افترقت بسبه عن السواد الأعظم وعن جماعته، وليس ذلك إلا