قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)) .
ــ
للبدعة المفرقة، إلا أنه ينظر في هذا الوعيد هل هو أبدي أم لا؟ وإذ قلنا: إنه غير أبدي هل هو نافذ أم في المشيئة؟ أما المطلب الأول فينبئ على أن بعض البدع مخرجة من الإسلام أو ليست مخرجة، والخلاف في الخوارج وغيرهم من السبائية، والغرابية، والجناحية، ونحوهم المخالفين في العقائد موجود. فحيث نقول بالتكفير لزم منه تأييد التحريم على القاعدة "أن الكفر والشرك لا يغفره الله سبحانه"، وإذا قلنا بعدم التكفير فيحتمل على مذهب أهل السنة أمرين: أحدهما نفوذ الوعيد من غير غفران، ويدل على ذلك ظواهر الأحاديث، وقوله هنا:"كلها في النار" أي مستقرة ثابتة فيها. والثاني أن يكون مقيداً بأن يشاء الله تعالى إصلاءهم في النار، وإنما حمل قوله:"كلها في النار" على معنى هي ممن يستحق النار. كما قيل في قوله تعالى:{ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها}[٩٣:٤] ، أي ذلك جزاؤه إن لم يعف الله عنه، فإن عفا عنه فله العفو إن شاءالله، لقوله تعالى:{إن الله يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}[٤٨:٤] ، فكما أن القاتل في المشيئة وإن لم يكن الاستدراك كذلك يصح أن يقال هنا بمثله -انتهى مختصراً. وسيأتي مزيد الكلام في ذلك في شرح حديث معاوية. وقوله:"ملة واحدة" نص في أن الحق واحد لا يختلف، إذ لو كان للحق فرق أيضاً لم يقل: إلا واحدة. ولأن الاختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق؛ لأنها الحاكمة بين المختلفين لقوله تعالى:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}[٥٩:٤] إذ رد التنازع إلى الشريعة، فلو كانت الشريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرد إليها فائدة. وقوله:"في شيء" نكرة في سياق الشرط، فهي صيغة من صيغ العموم، فتنتظم كل تنازع على العموم، فالرد فيها لا يكون إلا لأمر واحد، فلا يسع أن يكون أهل الحق فرقاً، قاله الشاطبي (قالوا من هي) أي تلك الملة أي أهلها الناجية. (ما أنا عليه وأصحابي) أي هي ما أنا عليه وأصحابي، فسر أهل تلك الملة الواحدة بذلك؛ لأن تعريف أهل الملة حاصل بتعريف ملتهم، وقيل: التقدير أهلها من كان على ما أنا عليه وأصحابي من الاعتقاد والقول والعمل. والمراد بهم المهتدون المتمسكون بسنته وسنة الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة الذين فهموا أمر دين الله بالتلقي من نبيه مشافهة على علم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال. قال الشاطبي: أصل الجواب أن يقال: أنا وأصحابي، ومن عمل مثل عملنا، أو ما أشبه ذلك مما يعطي تعيين الفرقة إما بالإشارة إليها أو بوصف من أوصافها إلا أن ذلك لم يقع، وإنما وقع في الجواب تعيين الوصف لا تعيين الموصوف، فلذلك أتى بما أتى، فظاهرها الوقوع على غير العاقل من الأوصاف وغيرها، والمراد هنا الأوصاف التي هو عليها - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فلم يطابق السؤال الجواب في اللفظ، والعذر عن هذا أن العرب لا تلتزم ذلك النوع إذا فهم المعنى؛ لأنهم لما سألوه عن تعيين الفرقة الناجية بين لهم الوصف الذي به صارت ناجية فقال: ما أنا عليه وأصحابي. ويمكن أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر الفرق، وذكر أن فيها فرقة ناجية كان السؤال عن أعمال الفرقة الناجية لا عن نفس الفرقة؛ لأن التعريف فيها من حيث هي لا فائدة فيه إلا من جهة أعمالها التي نجت بها، فالمقدم في الاعتبار هو العمل لا العامل، فلو سألوا ما وصفها أو عملها؟ أو ما أشبه ذلك لكان أشد مطابقة في اللفظ