والمعنى، فلما فهم عليه السلام منهم ما قصدوا أجابهم على ذلك، وتقول: لما تركوا السؤال عما كان الأولى في حقهم، أتى به جواباً عن سؤالهم حرصاً منه عليه السلام على تعليمهم ما ينبغي لهم تعلمه والسؤال عنه، ويمكن أن يقال: إن ما سألوا عنه لا يتعين، إذ لا تختص النجاة بمن تقدم دون من تأخر، إذ قد كانوا قد اتصفوا بوصف التأخير، ومن شأن هذا السؤال التعيين، وعدم انحصارهم بزمان أو مكان لا يقتضي التعيين، وانصرف القصد إلى تعيين الوصف الضابط للجميع، وهو ما كان عليه وأصحابه، وهذا الجواب بالنسبة إلينا كالمبهم، وهو بالنسبة إلى السائل معين؛ لأن أعمالهم كانت للحاضرين معهم رأي عين، فلم يحتج إلى أكثر من ذلك؛ لأنه غاية التعيين اللائق بمن حضر، فأما غيرهم ممن لم يشاهد أحوالهم ولم ينظر أعمالهم فليس مثلهم، ولا يخرج الجواب بذلك عن التعيين المقصود، والله أعلم. قال: ولم يعين النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفرق إلا واحدة، وإنما تعرض لعدها خاصة، وأشار إلى الفرقة الناجية حين سئل عنها، وإنما وقع ذلك كذلك، ولم يكن الأمر بالعكس لأمور أحدها أن تعيين الفرقة الناجية هو الآكد في البيان بالنسبة إلى تعبد المكلف، والأحق بالذكر، إذ لا يلزم تعيين الفرق الباقية إذ عينت الواحدة، وأيضاً لو عينت الفرق كلها إلا هذه الأمة لم يكن بد من بيانها؛ لأن الكلام فيها يقتضي ترك أمور وهي بدع، والترك للشيء لا يقتضي فعل شيء آخر لا ضداً ولا خلافاً، فذكر الواحدة هو المفيد على الإطلاق، والثاني أن ذلك أوجز؛ لأنه إذا ذكرت الفرقة الناجية علم على البديهة أن ما سواها مما يخالفها ليس بناجٍ، وحصل التعيين بالاجتهاد بخلاف ما إذا ذكرت الفرق الغير الناجية، فإنه يقتضي شرحاً كثيراً، ولا يقتضي في الفرقة الناجية اجتهاد؛ لأن إثبات العبادات التي تكون مخالفتها بدعاً لا حظ للعقل في الاجتهاد فيها. والثالث أن ذلك أحرى بالستر، ولو فسرت لناقض ذلك قصد الستر، ففسر ما يحتاج إليه وترك ما لا يحتاج إليه إلا من جهة المخالفة، فللعقل وراء ذلك مرمى تحت أذيال الستر، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله:"ما أنا عليه وأصحابي"، يعني أن الفرقة الناجية من اتصف بأوصافه عليه السلام، وأوصاف أصحابه، وكان ذلك معلوماً عندهم غير خفي، فاكتفى به، وربما يحتاج إلى تفسيره بالنسبة إلى من بعد تلك الأزمان. وحاصل الأمر أن أصحابه كانوا مقتدين به، مهتدين بهديه، وقد جاء مدحهم في القرآن، وأثنى عليهم متبوعهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإنما خلقه - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فالقرآن إنما هو المتبوع على الحقيقة، وجاءت السنة مبينة له، فالمتبع للسنة متبع للقرآن، والصحابة كانوا أولى الناس بذلك، فكل من اقتدى بهم فهو من الفرقة الناجية الداخلة للجنة بفضل الله، وهو معنى "ما أنا عليه وأصحابي"، فالكتاب والسنة هو الطريق المستقيم، وما سواهما من الإجماع وغيره فناشيء عنهما، هذا هو الوصف الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهو معنى ما جاء في الرواية الأخرى "وهي الجماعة"؛ لأن الجماعة في وقت الإخبار كانوا على ذلك الوصف، انتهى. قلت: وهو معنى ما جاء في حديث أبي أمامة عند الطبراني: ((كلهم في النار إلا السواد الأعظم)) . وأصرح من ذلك ما رواه الطبراني أيضاً عن أبي الدرداء، وواثلة، وأنس بلفظ:((كلهم على الضلالة إلا السواد الأعظم. قالوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السواد الأعظم؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي)) . فالمراد "بالجماعة" و"السواد الأعظم" و"ما أنا عليه وأصحابي" شيء واحد، ولا شك أنهم أهل السنة والجماعة. قال الشيخ الجيلاني في الغنية: وأما الفرقة الناجية فهي أهل السنة والجماعة. قال: وأهل السنة لا اسم لهم إلا اسم