للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأقول: ((أعطه أفقر إليه مني فقال: خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف، ولا سائل، فخذه، ومالا، فلا تتبعه نفسك)) .

ــ

السعدي عند مسلم إن عطية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بسبب العمالة. ولهذا قال الطحاوي: ليس معنى هذا الحديث في الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام وليست هي من جهة الفقر، ولكن شيء من الحقوق، فلما قال عمر: أعطه من هو أفقر إليه مني، لم يرض بذلك. لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر، قال ويؤيده قوله: خذه فتموله فدل ذلك على أنه ليس من الصدقات (فأقول أعطه) بقطع الهمزة والضمير للعطاء أو للسكت (أفقر) أي أحوج (إليه مني) قال الكرماني: جاز الفصل بين أفعل التفضيل وبين كلمة "من" لأن الفاصل ليس أجنبياً بل هو الصق به من الصلة. لأنه محتاج إليه بحسب جوهر اللفظ، والصلة محتاج إليه بحسب الصيغة (خذه) أي بالشرط المذكور بعد (فتموله) بتشديد الواو أي أقبله وأدخله في ملكك ومالك أي اجعله مالاً لك يعني إن كنت محتاجاً (وتصدق به) أي على أفقر منك إن كان فاضلاً عنك عما لابد لك منه قاله القاري. وفي رواية لمسلم أو تصدق به بلفظ "أو" بدل الواو. وقال السندي: أي إذا أخذت فان شئت أبقه عنك مالاً، وإن شئت تصدق به - انتهى. وهو أمر إرشاد على الصحيح. قال ابن بطال: أشار صلى الله عليه وسلم على عمر بالأفضل؛ لأنه وإن كان مأجوراً بإيثاره لعطائه عن نفسه من هو أفقر إليه منه، فإن أخذه للعطاء ومباشرته للصدقة بنفسه أعظم لأجره، وهذا يدل على عظيم فضل الصدقة بعد التمول لما في النفوس من الشح على المال (فما جاءك من هذا المال) إشارة إلى جنس المال أو المال الذي أعطاه وفي رواية إذا جاءك من هذا المال شيء (وأنت غير مشرف) بضم الميم وسكون المعجمة وبعدها راء مكسورة ففاء من الإشراف، وهو التعرض للشيء والحرص عليه والتطلع اليه من قولهم: أشرف على كذا إذا تطاول له. وقيل: للمكان المرتفع شرف لذلك أي والحال إنك غير طامع ولا ناظر له. قال أبوداود: سألت أحمد عن إشراف النفس فقال: بالقلب. وقال يعقوب بن محمد: سألت أحمد عنه فقال: هو أن يقول مع نفسه يبعث إلى فلان بكذا. وقال الأثرم: يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك (ولا سائل) أي ولا طالب له (فخذه) ولا ترده. وأطلق الأخذ أولاً وعلقه ثانياً بالشرط فحمل المطلق على المقيد وهو مقيد أيضاً بكونه حلالاً، فلو شك فيه فالاحتياط الرد وهو الورع نعم يجوز أخذه عملاً بالأصل (ومالاً) يكون على هذه الصفة بأن لم يجيء إليك ومالت نفسك إليه (فلا تتبعه نفسك) في الطلب واتركه وقوله: لا تتبعه بضم الفوقية الأولى وسكون الثانية وكسر الموحدة وسكون العين من الإتباع مخففاً، أي فلا تجعل نفسك تابعة له ناظرة إليه لأجل أن

<<  <  ج: ص:  >  >>