وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى. ولا تمهل، حتى إذا بلغت الحلقوم. قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)) .
ــ
بالتاءيين فحذفت إحداهما تخفيفاً، ويحتمل أن يكون بتشديد الصاد والدال جميعاً، وأصله تتصدق فأبدلت إحدى التائيين صاداً، وأدغمت الصاد في الصاد، وهي في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف أي هي تصدقك أو أعظم الصدقة أجراً إن تصدق (وأنت صحيح) جملة اسمية وقعت حالاً. والمراد بالصحيح في هذا الحديث من لم يدخل في مرض مخوف كذا قيل (شحيح) خبر بعد خبر أي من شأنه الشح للحاجة إلى المال. وقال ابن الملك: قوله "شحيح" تأكيد وبيان للصحيح لأن الرجل في حال صحته يكون شحيحاً، وفي رواية: وأنت صحيح حريص (تخشى الفقر) أي بصرف المال خبر بعد خبر أو حال بعد حال أو استئناف بيان قاله القاري: والمراد أن تقول في نفسك لا تتلف مالك كيلا تصير فقيراً فتحتاج إلى الناس (وتأمل) بضم الميم من نصر (الغنى) أي ترجوه وتطمع فيه يعني وتقول أترك مالك في بيتك لتكون غنياً ويكون لك عز عند الناس بسبب غناك (ولا تمهل) من الإمهال وهو بالنصب عطفاً على تصدق أو بالجزم على النهى أو بالرفع على أنه خبر أي ولا تؤخر الصدقة أي ولا تمهل نفسك (حتى إذا بلغت) أي الروح (الحلقوم) بضم الحاء المهملة مجرى النفس، والمراد قاربت بلوغه إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته بإتفاق الفقهاء، ولم يجر للروح ذكر إغتناء بدلالة السياق (لفلان) كناية عن الموصى له (كذا) كناية عن الموصى به، والجملة مبتدأ وخبر (وقد كان لفلان) أي الوارث قيل: جملة حالية أي وقد صار المال الذي تتصرف فيه في هذه الحالة ثلثاه حقاً للوارث وأنت تتصدق بجميعه فكيف يقبل منك. وقال القسطلاني: أي وقد صار ما أوصى به للوارث فيبطله إن شاء إذا زاد على الثلث، أو أوصى به لوارث آخر. وقيل: المعنى أنه قد خرج عن تصرفه وكمال ملكه واستقلاله بما شاء من التصرف، فليس له في وصيته كبير ثواب وكثير فضل بالنسبة إلى صدقة الصحيح الشحيح، وحاصل معنى الحديث أفضل الصدقة إن تتصدق في حال صحتك، واختصاص المال بك وشح نفسك، بأن تقول لا تتلف مالك كيلا تصير فقيراً لا في حال سقمك وسياق موتك، لأن المال حينئذ خرج عنك وتعلق بغيرك يعني أعظم الصدقة أجراً إن تصدق حال حياتك مع احتياجك إليه، فإن الصدقة في هذه الحالة أشد مراغمة للنفس، لأن فيه مجاهدة النفس على إخراج المال الذي هو شقيق الروح مع قيام مانع الشح، وليس هذا إلا من قوة الرغبة في القربة وصحة العقد فكان أفضل وأعظم أجراً من غيره. وقال الخطابي: معنى الحديث إن الشح غالب في حال الصحة فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح، ورجاء البقاء وخوف الفقر. قال: وفيه دليل على أن المرض يقصر