١٨٨٣- (١٠) وعن أبي ذر، قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: ((هم الأخسرون ورب الكعبة، فقلت: فداك أبي وأمي من هم الأكثرون أموالاً، إلا من قال
ــ
يد المالك عن بعض ملكه، وإن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سمة البخل، ولذلك شرط أن يكون صحيح البدن شحيحاً بالمال يجد له وقعاً في قلبه لما يأمله من طول العمر، ويخالف من حدوث الفقر. قال الحافظ: وفي الحديث أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في الحياة وفي الصحة أفضل منه بعد الموت وفي المرض، وأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله وأنت صحيح حريص تأمل الغنا إلى آخره، لأنه في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالباً لما يخوفه به الشيطان ويزين له من إمكان طول العمر. والحاجة إلى المال كما قال تعالى:{الشيطان يعدكم الفقر}[البقرة:٢٦٨] الآية وأيضاً فإن الشيطان ربما زين له الحيف في الوصية أو الرجوع عن الوصية فتيحمض تفضيل الصدقة الناجزة. قال بعض السلف عن بعض أهل الترف يعصون الله تعالى في أموالهم مرتين يبخلون بها وهي في أيديهم، يعني في الحياة ويسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم يعني بعد الموت، وأخرج الترمذي بإسناد حسن وصححه ابن حبان عن أبي الدرادء مرفوعاً قال مثل الذي يعتق ويتصدق عند موته مثل الذي يهدي إذا شبع وهو يرجع إلى معنى حديث الباب. وروى أبوداود وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً لأن يتصدق الرجل في حياته وصحته بدرهم خير له، من أن يتصدق عند موته بمائة - انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الزكاة وفي الوصايا، ومسلم في الزكاة، وأخرجه أيضاً أحمد (ج٢ ص٢٣١، ٢٥٠) وابن ماجه في الوصايا، والنسائي فيه وفي الزكاة والبيهقي وغيرهم.
١٨٨٣- قوله:(هم الأخسرون) هم ضمير عن غير مذكور لكن يأتي تفسيره وهو قوله هم الأكثرون وفيه أنه يصح رجع الضمير إلى الحاضر في الذهن ثم تفسيره للمخاطب إذا سأل عنه (ورب الكعبة) الواو للقسم (فداك أبي وأمي) بفتح الفاء لأنه ماض خبر بمضى الدعاء، ويحتمل كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال أي يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندي قاله القاري. قال العراقي الرواية المشهورة بفتح الفاء والقصر على أنها جملة فعليه, وروى بكسر الفاء والمد على الجملة الاسمية - انتهى. (من هم) أي من الأخسرون الذين أجملتهم (هم الأكثرون أموالاً) قال القاري: لعل جمع التمييز لإرادة الأنواع أو المقابلة الجمع بالجمع أي الأخسرون مالاً هم الأكثرون مالاً. قال ابن الملك: يعني من كان ماله أكثر خسرانه أكثر (إلا من قال) أي فعل بماله. والقول