لا تصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق؟
ــ
ولم يعرف اسمه، والاستدلال به مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يظهر النسخ والإنكار (لا تصدقن) زاد في رواية الليلة وكررها في المواضع الثلاثة، وهذا من باب الالتزام كالنذر، والقسم فيه مقدر. كأنه قال: والله لا تصدقن، وعلى هذا فصار الصدقة واجبة فصح الاستدلال به في صدقة الفرض (فخرج) من بيته (بصدقته) أي التي نوى بها ليضعها في يد مستحق (فوضعها في يد سارق) أي وهو لا يعلم إنه سارق فأذاع السارق إنه تصدق عليه الليلة (فأصبحوا) أي القوم الذين كان فيهم ذلك المتصدق (يتحدثون) في موضع نصب خبر أصبح (تصدق) بضم التاء والصاد على البناء للمفعول (الليلة) كذا في جميع النسخ بذكر الليلة في المواضع الثلاثة، وهكذا وقع في جامع الأصول (ج٧ ص٣٠١) للجزري، وكذا نقله المنذري في الترغيب، وقد صرحا كالمصنف بعد ذكر الحديث بأنه لفظ البخاري. ولكن لم يقع ذكر الليلة في نسخ البخاري الموجودة عندنا إلا في موضع واحد، وهو قوله الآتي: فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، وهكذا في المنتقي للمجد بن تيمية، وكذا وقع عند مسلم. والظاهر إن صاحب المشكاة قلد في ذلك جامع الأصول والله أعلم. قال الحافظ: قوله: تصدق على سارق في رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان: تصدق الليلة على سارق، وفي رواية ابن لهيعة عند أحمد: تصدق الليلة على فلان السارق، ولم أر في شيء من الطرق تسمية أحد من الثلاثة المتصدق عليهم- انتهى. وهو إخبار بمعنى التعجب والإنكار (فقال) المتصدق (اللهم لك الحمد على سارق) أي على تصدقي على سارق لا، لي لأن صدقتي وقعت بيد من لا يستحقها فلك الحمد حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي، فإن إرادتك كلها جميلة، ولا يحمد على المكروه سواك. وقدم الخبر على المبتدأ في قوله "لك الحمد" للاختصاص. وقال الطيبي: لما جزم بوضعها في موضعها بدلالة التنكير في بصدقة، وأبرز كلامه في معرض القسم تأكيداً أو قطعاً للقبول بها جوزي بوضعها في يد سارق فحمد الله وشكره، على أنه لم يقدر أن يتصدق على من هو أسوأ حالاً منه أي لك الحمد لأجل وقوع الصدقة في يده دون من هو أشد حالاً منه أو أجرى الحمد مجرى التبيع في استعماله عند مشاهدة ما يتعجب منه تعظيماً لله يعني ذكر الحمد في موضع التعجب كما يذكر التسبيح في موضعه. فلما تعجلوا من فعله تعجب هو أيضاً فقال: اللهم لك الحمد على سارق - انتهى. قال الحافظ: لا يخفي بعد هذا الوجه. وأما الذي قبله فأبعد عنه والذي يظهر الأول وأنه سلم وفوض ورضي بقضاء الله فحمد الله على تلك الحال لأنه المحمود على جميع الحال لا يحمد على المكروه سواه. وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى ما لا يعجبه، قال اللهم لك الحمد على كل حال،