من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها
ــ
المثل لا يختلف وضبط في هذه الرواية للأكثر بالفتح قاله الحافظ (من كسب) أي صناعة أو تجارة أو زراعة أو غيرها ولو إرثاً وهبة. قال الحافظ: معنى الكسب المكسوب، والمراد به ما هو أعم من تعاطى التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث، وكأنه ذكر الكسب لكونه الغالب في تحصيل المال (طيب) أي حلال، وقد يطلق على المستلذ بالطبع، والمراد هنا هو الحلال. وقال القرطبي: أصل الطيب المستلذ بالطبع، ثم أطلق على المطلق بالشرع وهو الحلال (ولا يقبل الله إلا الطيب) جملة معترضة بين الشرط والجزاء لتقرير ما قبله، وفيه دليل على أن غير الحلال مقبول. قال السندي: هذه جملة معترضة لبيان أنه لا ثواب في غير الطيب لا أن ثوابه دون هذا الثواب إذ قد يتوهم من التقييد إنه شرط لهذا الثواب بخصوصه، لا لمطلق الثواب، فمطلق الثواب يكون بدونه أيضاً فذكرت هذه الجملة دفعاً لهذا التوهم، ومعنى عدم قبوله إنه لا يثيب عليه ولا يرضى به انتهى. قال القرطبي: وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام؛ لأنه غير مملوك للمصدق وهو ممنوع من التصرف فيه، والمتصدق به متصرف فيه. فلو قبل منه لزم أن يكون الشيء مأموراً ومنهياً من وجه واحد، وهو محال - انتهى. (فإن الله يتقبلها بيمينه) قيل: هو كناية عن حسن القبول ووقوعها منه عزوجل موقع الرضا، وذكر اليمين للتشريف والتعظيم وكلتا يدي الرحمن يمين. قال المازري: هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا عنه فكنى عن قبول الصدقة بأخذها باليمين وعن تضعيف أجرها بالتربية. وقال عياض: لما كان الشيء الذي يرتضي ويعز يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول والرضا كما قال الشاعر:
إذا ما رأية رفعت لمجد تلقاه عرابة باليمين
وقال الزين بن المنير: الكناية عن الرضا والقبول بالتلقي باليمين لتثبيت المعاني المعقولة من الأذهان، وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشيء بيمينه، لا أن التناول كالتناول المعهود ولا أن المتناول به جارحة - انتهى. قلت: الحق في هذا وأمثاله من أحاديث الصفات هو ما روى عن السلف أن يؤمن المرأ به كما جاء ويجزيه على ظاهره، ولا يتعرض له، بتأويل وتفسير ولا تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل، بل يكل علمه ويفوض كيفه إلى العليم الخبير. قال الترمذي في جامعه: قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: نؤمن بهذه الأحاديث ولا نتوهم فيها تشبيهاً، ولا نقول كيف هكذا. روى عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم أنهم قالوا: في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف، وأنكرت الجهمية هذه الروايات - انتهى. (ثم يربيها) التربية كناية عن الزيادة أي يزيدها ويعظمها حتى تثقل في الميزان (لصاحبها) أي لصاحب الصدقة أو تلك التمرة