١٧٣- (٣٤) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا يجمع أمتي - أو قال: أمة محمد - على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار)) رواه الترمذي.
ــ
فعليك أن ترجع إلى كتابه الاعتصام (ج٢:ص٢٤٣، ٢٣١) وحديث معاوية هذا، أخرجه أبوداود في السنة، وسكت عليه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً الحاكم (ج١: ص١٢٨) ، وقال بعد ذكره طرق حديث أبي هريرة: هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث.
١٧٣- قوله:(إن الله لا يجمع أمتي) أي أمة الإجابة (أو قال: أمة محمد) شك من الراوي (على ضلالة) أي لا يجتمعون على ضلالة غير الكفر، وقيل: على خطأ في الاجتهاد. وقيل: على كفر ومعصية، وهذا قبل مجيء الريح اللينة. قيل: فيه دليل على أن إجماع المسلمين حق، والمراد إجماع العلماء المجتهدين من أهل السنة والجماعة، ولا عبرة بإجماع العوام؛ لأنه لا يكون عن علم، ووجه الاستدلال به أن عمومه ينفي وجود الضلالة، والخطأ ضلالة فلا يجوز الإجماع عليه، فيكون ما أجمعوا عليه حقاً، وعندنا في دلالة هذا الحديث وما في معناه من الأحاديث على حقية الإجماع الشرعي ثم على حجيته نظر؛ لأن الاستدلال به على ذلك موقوف على أن المراد بالضلالة، الخطأ في الاجتهاد، وكون الخطأ المظنون ضلالة ممنوع، والظاهر أن المراد به الكفر والمعصية. (ويد الله علىالجماعة) قال الجزرى: أي أن الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله، ووقايته فوقهم، وهم بعيد عن الخوف والأذى فأقيموا بين ظهرانيهم - انتهى. وقال الفتنى في المجمع: أي سكينته ورحمته مع المتفقين، وهم بعيد من الخوف والأذى والاضطراب، فإذا تفرقوا زال السكينة، وأوقع بأسهم بينهم، وفسد الأحوال. (ومن شذ) بصيغة المعلوم أي انفرد عن الجماعة وخرج عنها (شذ) بصيغة المجهول، وحكي بصيغة المعلوم أيضاً (في النار) كذا عند الحاكم، والحكيم الترمذي، وابن جرير، ووقع في جامع الترمذي "إلى النار"، يعني انفرد عن أصحابه الذين هم أهل الجنة وألقى في النار، وقال الطيبي: أي فقد شذ فيما يدخله النار أو في أمر النار، والشذوذ المنهي عنه شرعاً هو الشذوذ الذي يشق به صاحبه عصا الإسلام، ويثير به الفتن المنهي عن إثارتها، كشذوذ الخوارج والرافضة وأمثالهم مما يظهر آناً فآناً لا الشذوذ في أحكام الاجتهاد. (رواه الترمذي) في أوائل الفتن، وفي سنده سليمان بن سفيان التيمي، وهو ضعيف. قال البخاري: إنه منكر الحديث. فالحديث ضعيف، لكن له شواهد ذكرها الحافظ في التلخيص، والحاكم في المستدرك، تدل على أن للحديث أصلاً.
تنبيه: اعلم أن المراد بالاجماع الذي احتجوا على حجيته بهذا الحديث وأمثاله هو الإجماع الشرعي المصطلح عند الأصوليين، وهو اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - في عصر من الأعصار على أمر ديني. واختلفوا في وقوعه وحجيته، والذي ندين الله به في هذا هو أن إجماع الصحابة حق وحجة، وإليه الإشارة بقوله:"ما أنا عليه وأصحابي"، وأما إجماع مجتهدى الأمة قاطبة بعد عصر الصحابة في عصر من الأعصار أي الإجماع الكلي