قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بيديه فينفع نفسه، ويتصدق. قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يفعله؟ قال: فيأمر بالخير.
ــ
الاستحباب المتأكد ولا حق في المال سوى الزكاة إلا على سبيل الندب ومكارم الأخلاق كما قاله الجمهور ذكره القسطلاني. وقال النووي: قال العلماء المراد صدقة ندب وترغيب لا إيجاب وإلزام. وقال الحافظ: قوله على كل مسلم صدقة أي على سبيل الاستحباب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك. والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله عليه السلام "على المسلم ست خصال" فذكر منها ما هو مستحب إنفاقاً. كذا قال في الزكاة وقال في الأدب: قوله على كل مسلم صدقة أي في مكارم الأخلاق، وليس ذلك بفرض إجماعاً. قال ابن بطال: وأصل الصدقة ما يخرجه المرأ من ماله متطوعاً به، وقد يطلق على الواجب لتحرى صاحبه الصدق بفعله: ويقال: لكل ما يحابى به المرأ من حقه صدقة، لأنه تصدق بذلك على نفسه. (قالوا فإن لم يجد) أي ما يتصدق به كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء، فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف، وهل تلتحق هذه الصدقة؟ بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به. فيه نظر، الذي يظهر أنها غيرها لما تبين من حديث عائشة الآتي إنها شرعت بسبب عتق المفاصل، حيث قال في آخر هذا الحديث فإنه يمسى يومئذ. وقد زحزح نفسه عن النار قاله الحافظ (فليعمل) كذا في جميع النسخ الحاضرة والذي في البخاري في الزكاة يعمل وفي الأدب فيعمل وفي مسلم يعتمل (بيديه) بالتثنية (فينفع نفسه) بما يكسبه من صناعة وتجارة ونحوهما بإنفاقه عليها، ومن تلزمه نفقته ويستغنى بذلك عن السؤال لغيره (ويتصدق) فينفع غيره ويؤجر. قال القسطلاني: وقوله فيعمل فينفع ويتصدق، بالرفع في الثلاثة خبر بمعنى الأمر قاله ابن مالك قال ابن بطال: فيه التنبيه على العمل والتكسب ليجد المرأ ما ينفق على نفسه ويتصدق به ويغنيه عن ذل السؤال، وفيه الحث على فعل الخير مهما أمكن وإن من قصد شيئاً منها فتعسر فلينتقل إلى غيره (فإن لم يستطع) أي بأن عجز عن العمل (أو لم يفعل) ذلك عجزاً أو كسلاً والشك من الراوي (فيعين) أي بالفعل أو بالقول أو بهما (ذاالحاجة الملهوف) بالنصب صفة لذا الحاجة المنصوب على المفعولية، والملهوف، عند أهل اللغة يطلق على المتحسر وعلى المضطر وعلى المظلوم. يقال: لهف بكسر الهاء يلهف بفتحها لهفاً بإسكانها أي حزن وتحسر، وكذلك التلهف ذكره النووي. وقال الحافظ: الملهوف، المستغيث وأعم من أن يكون مظلوماً أو عاجزاً. وقيل: هو المكروب المحتاج (فإن لم يفعله) أي عجزاً أو كسلاً، وفي البخاري فإن لم يفعل. أي يحذف الضمير المنصوب (فيأمر بالخير) وهو يشمل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإفادة العلمية والنصيحة العملية وفي البخاري في الأدب فيأمر بالخير أو قال بالمعروف، وفي مسلم يأمر بالمعروف أو الخير، وهذا شك من الراوي، وللبخاري في الزكاة فليعمل بالمعروف.