١٩٣٤- (٣٢) وعن البراء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من منح منحة لبن أو ورق، أو هدى زقاقاً، كان له مثل عتق رقبة)) .
ــ
أي كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر من عفوته أي أتيته أطلب معروفة وعافية الماء واردته. وفي بعض الروايات العوافي أي طلاب الرزق (منه) أي من حاصل الأرض وريعها أو من المأكول أو من النبات وفي سنن الدارمي منها (فهو له صدقة) أي إذا كان له راضياً أو متحملاً صابراً (رواه الدارمي) في البيوع. وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي في الكبرى، وابن حبان والضياء في المختارة، كلهم من رواية هشام بن عروة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن جابر، وهذا إسناد صحيح. قال الحافظ في التلخيص: صرح عند ابن حبان بسماع هشام من عبيد الله وبسماعه من جابر، ورواه أيضاً من طريق وهب بن كيسان عن جابر الجملة الأولى. واستدل به ابن حبان على أن الذمي لا يملك الموات. لأن لأجر إنما يكون للمسلم وتعقبه المحب الطبري بأن الكافر يتصدق ويجازي عليه في الدنيا كما ورد به الحديث: قلت (قائلة الحافظ) وقول ابن حبان أقرب للصواب، وظاهر الحديث معه، والمتبادر إلى الفهم منه، إن إطلاق الأجر إنما يراد به الأخروي.
١٩٣٤-قوله:(وعن البراء) أي ابن عازب (من منح) أي أعطى (منحة لبن) في الترمذي منيحة لبن، وقد سبق معناهما، والإضافة فيها بيانية. قال القاري: والأظهر إن في المنحة تجريداً بمعنى مطلق العطية ليصح العطف بقوله (أو ورق) بكسر الراء وسكونها، وهي قرض الدراهم. لأن المنحة مردودة- انتهى. وقال في اللمعات: المنحة العطية فإضافته إلى اللبن ظاهر، ثم ذكر المراد من منحة اللبن. ثم قال: وعطف الورق على اللبن، إن كان المنحة بمعنى العطية، فظاهر. وإن كان بمعنى الناقة أو الشاة المعطاة فمجاز، ومشاكلة. والمراد من منحة الورق، قرض الدراهم، وإنما فسروه به، لأن المنحة من شأنها إن ترد على صاحبها. وقال الجزري: منحة الورق القرض، ومنحة اللبن أن يعطيه ناقة، أو شأة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زماناً، ثم يردها. ومنه الحديث المنحة مردودة- انتهى. (أو هدى زقاقاً) قال الجزري: الزقاق بالضم الطريق، يريد من دل الضال أو الأعمى على طريقة. وقيل: أراد من تصدق بزقاق من النخل وهي السكة منها. والأول أشبه لأن هدى من الهداية لا من الهدية- انتهى. قلت: وقع في حديث النعمان بن بشير عند أحمد أهدى زقاقاً من الإهداء، فالمراد بالزقاق في هذا الحديث هو السكة أي الصف والسطر من النخل، وبالإهداء التصدق (كان له) أي ثبت له (مثل عتق رقبة) أي كان ما ذكر له مثل إعتاق رقبة، ووجه الشبه نفع الخلق والإحسان إليهم