فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئة)) .
ــ
الفرس أو لكونه منعماً عليه (فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي عن ذلك (لا تشتره) بهاء الضمير أو السكت وظاهر النهي التحريم، لكن الجمهور على أنه للتنزيه وأشار عليه الصلاة والسلام إلى العلة في نهيه عن الابتياع بقوله (ولا تعد في صدقتك) أي لا تعد فيها لا بشراء ولا بغيره من سائر التملكات كالهبة فهو من عطف العام على الخاص (وإن أعطاكه بدرهم) هو مبالغة في رخصة وهو الحامل له على شراءه وهذا متعلق بقوله: لا تشتره أي ى ترغب فيه البتة ولا تنظر إلى رخصه، ولكن أنظر إلى أنه صدقتك. قال ابن الملك: ذهب بعض العلماء إلى أن شراء المتصدق صدقته حرام لظاهر الحديث، والأكثرون على أنها كراهة تنزيه لكون القبح فيه لغيره وهو أن المتصدق عليه ربما يسامح المتصدق في الثمن بسبب تقدم إحسانه فيكون كالعائد في صدقته في ذلك المقدار الذي سومح فيه. وقال الحافظ: سمي شراءه برخص عوداً في الصدقة من حيث إن الغرض منها ثواب الآخرة فإذا اشتراها برخص فكأنه اختار عرض الدنيا على الآخرة مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق فكيف بالمتصدق فيصير راجعاً في ذلك المقدار الذي سومح فيه - انتهى. قال النووي: قوله "لا تشتره ولا تعد في صدقتك" هذا نهي تنزيه لا تحريم فيكره لمن تصدق بشيء، أو أخرجه في زكاة أو كفارة أو نذر أو نحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه، أو يتهبه أو يتملكه باختياره منه. فأما إذا ورثه منه فلا كراهة فيه، وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال جماعة من العلماء: النهي عن شراء صدقته للتحريم - انتهى. قلت: قد حكى العراقي في شرح الترمذي كراهة شراءه من ثالث انتقل إليه من المتصدق به عليه عن بعضهم لرجوعه فيما تركه لله كما حرم على المهاجرين سكنى مكة بعد هجرتهم منها لله تعالى. وقال ابن قدامة (ج٢ ص٦٥١) : ليس لمخرج الزكاة شراءها ممن نقض البيع صارت إليه، وروى ذلك عن الحسن وهو قول قتادة ومالك. قال أصحاب مالك: فإن اشتراها لم ينقض البيع. وقال الشافعي وغيره: يجوز لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة رجل ابتاعها بماله، ولنا ما روى عمر أنه قال حملت على فرس في سبيل الله - الحديث. وحديثهم عام، وحديثنا خاص صحيح فالعمل به. أولى من كل وجه - انتهى. مختصراً، وقد تقدم كلامه بتمامة في شرح حديث عطاء بن يسار في الفصل الثاني، من باب من لا تحل له الصدقة (فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئة) شبه العائد في صدقته باخس الحيدان في أخس أحواله تصويراً للتهجين وتنفيراً منه، قال في المصابيح: وفي ذلك دليل على المنع من الرجوع في الصدقة لما أشتمل عليه من التنفير الشديد من حيث شبه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء والرجوع في الصدقة برجوع الكلب في