من البواعث على المعاصي بقمع الشهوات. وقال القرطبي: يصح حمله على الحقيقة ويكون معناه إن الجنة قد فتحت وزخرفت لمن مات في رمضان لفضل هذه العبادة الواقعة فيه، وغلقت أبواب النار فلا يدخلها منهم أحد مات فيه، وصفدت الشياطين لئلا تفسد على الصائمين. قال الطيبي: فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين، وإن ذلك من الله بمنزلة عظيمة، وأيضاً فيه إنه إذا علم المكلف المعتقد ذلك بإخبار الصادق يزيد في نشاطه ويتلقاه بإربحته - انتهى. وقال الشاه ولي الله الدهلوي: أعلم أن هذا الفضل إنما هو بالنسبة إلى جماعة المسلمين فإن الكفار في رمضان أشد عمها وأكثر ضلالاً منهم في غيره لتماديهم في هتك شعائر الله ولكن المسلمين إذا صاموا وقاموا وغاص، كملهم في لجة الأنوار وأحاطت دعوتهم من رواتهم وانعكست أضوائهم على من دونهم وشملت بركاتهم جميعهم فئتهم، وتقرب كل حسب استعداده من المنجيات، وتباعد من المهلكات. صدق إن أبواب الجنة تفتح عليهم وإن أبواب جهنم تغلق عنهم، لأن أصلهما الرحمة واللعنة ولأن اتفاق أهل الأرض في صفة تجلب ما يناسبها من جود الله كما ذكرنا في الاستسقاء والحج، وصدق إن الشياطين تسلسل عنهم، وإن الملائكة تنشر فيهم، لأن الشياطين لا يؤثر إلا فيمن استعدت نفسه لأثر، وإنما استعدادها له لغلواء البهيمة، وقد انقهرت. وإن الملك لا يقرب إلا ممن استعد له، وإنما استعداده بظهور الملكية. وقد ظهرت، وأيضاً فرمضان مظنة الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم فلا جرم إن الأنوار المثالية والملكية تنتشر حينئذٍ، وإن أضدادها تنقبض - انتهى. قال القرطبي: بعد أن رجح حمله ظاهره. فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعه في رمضان كثيراً فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه يعني إن ذلك في حق الصائمين الذين حافظوا على شروط الصوم وراعوا آدبه. أو المصفد بعض الشياطين وهو المردة لأكلهم. وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه، وأورد حديث أبي هريرة الآتي في الفصل الثاني. أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية، لأن لذلك أسباباً الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيصة والشياطين الأنسية، وقريب من هذا المعنى ما قيل إن صدور المعاصي في رمضان ليس من أثر الشيطان بل من أثر النفس الإمارة التي تشربت من أثر الشيطان في سائر السنة، فإن النفس لما تصبغت بلونه تصدر منها أفعاله، والفائدة إذ ذاك في تصفيد الشيطان ضعف التأثير في ارتكاب المعاصي فمن أراد التجنب عن ذلك يسهل عليه. وقال السندي: لا ينافيه وقوع المعاصي إذ يكفي في وجود المعاصي شرار النفس وخباثتها، ولا يلزم أن تكون كل معصية بواسطة شيطان وإلا لكان لكل شيطان شيطان ويتسلسل، وأيضاً