للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم

ــ

الشمس يعني إن كان ارتفاعه من الأفق عند غروبها بحيث أنه لا يغرب إلا في اثنتين وثلاثين دقيقة فلا بد أن يكون فوق الأفق في جميع البلاد الشرقية إلى خمس مائة ميل وستين ميلاً من ذلك البلد، ويرى في جميع هذه البلاد الشرقية الكائنة في هذه المسافة الطويلة لولا المانع من الغيم والقتر ونحوهما قالوا: يزيد أو ينقص درجة واحدة على كل سبعين ميلاً فيكون الهلال على ارتفاع سبع درجات في موضع هو على سبعين ميلاً في المشرق من بلد الرؤية، وعلى تسع درجات في موضع هو على سبعين ميلاً في المغرب من بلد الرؤية، فإذا حصلت رؤية الهلال في بلد وثبتت يكون تحقق الرؤية في البلاد الواقعة في المغرب من ذلك البلد من مسلمات علم الهيئة. وقد ظهر بهذا أن الهلال إذا رؤى في بلد عربي ينبغي أن تعتبر هذه الرؤية إلى خمس مائة ميل وستين ميلاً في جهة المشرق من ذلك البلد، وأما في البلاد الغربية منه فتعتبر مطلقاً أي من غير تقييد بمسافة معينة والله تعالى أعلم (ولا تفطروا) أي من صومه (حتى تروه) أي هلال شوال. قال الحافظ: استدل بالحديث على وجوب الصوم والفطر على من رأى الهلال وحده وإن لم يثبت بقوله وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم. واختلفوا في الفطر. فقال الشافعي: يفطر ويخفيه أي لئلا يتهم. وقال الأكثر يستمر صائماً احتياطاً - انتهى. وقال في المغنى: (ج٣ ص١٦٠) ولا يفطر إذ رآه وحده، وروى هذا عن مالك والليث. وقال الشافعي: يحل له أن يأكل حيث لا يراه أحد لأنه تيقنه من شوال فجاز له الأكل كما لو قامت به بينة. ولنا ما روى أبورجاء عن أبي قلابة أن رجلين قدما المدينة، وقد رأيا الهلال وقد أصبح الناس صياماً فأتيا عمر فذكرا ذلك له فقال: لأحدهما أصائم أنت؟ قال: بل مفطر، قال ما حملك على هذا قال لم أكن لأصوم، وقد رأيت الهلال. وقال: للآخر، قال أنا صائم ما حملك على هذا. قال: لم أكن لأفطر والناس صيام فقال للذي أفطر لولا مكان هذا لأوجعت رأسك ثم نودي في الناس أن أخرجوا، أخرجه سعيد بن منصور عن ابن علية عن أيوب عن أبي رجاء. وإنما أراد ضربه لإفطاره برؤيته، ودفع عنه الضرب لكمال الشهادة به وبصاحبه ولو جاز له الفطر لما أنكر عليه ولا توعده. وقالت عائشة: إنما يفطر يوم يفطر الإمام وجماعة المسلمين ولم يعرف لهما مخالف في عصرهما فكان إجماعاً، ولأنه يوم محكوم به رمضان فلم يجز الفطر فيه كاليوم الذي قبله، وفارق ما إذا قامت البينة فإنه محكوم به من شوال بخلاف مسألتنا، وقولهم إنه تيقن أنه من شوال. قلنا لا يثبت اليقين لأنه يحتمل أن يكون الرائي خيل إليه. كما روى أن رجلاً في زمن عمر قال لقد رأيت الهلال فقال له أمسح عينك فمسحها ثم قال له تراه قال لا، قال لعل شعرة من حاجبتك تقوست على عينك فظننتها هلالاً أو ما هذا معناه - انتهى. وقال الحنفية: يصوم في الصورتين احتياطاً كما في الهداية. قلت: يؤيد قول الجمهور ما روى عن عائشة مرفوعاً الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس أخرجه الترمذي وصححه والدارقطني. وقال الصواب وقفه (فإن غم عليكم) بضم المعجمة وتشديد الميم أي غطى الهلال في ليلة الثلاثين. قال الجزري في النهاية: يقال

<<  <  ج: ص:  >  >>