فذهب أهل الظاهر إلى القول بتحريمه صرح به ابن حزم وصححه ابن العربي من المالكية، وللشافعية فيه وجهان، التحريم والكراهة التنزيهه، والراجح الأصح عندهم التحريم. قال ابن قدامة: ظاهر قول الشافعي أنه محرم تقريراً لظاهر النهى - انتهى. وذهب مالك وأحمد وأبوحنيفة وإتباعهم إلى أنه غير محرم بل مكروه تنزيهاً وذهب جماعة من السلف إلى جوازه مطلقاً وقيل محرم في حق من يشق عليه ويباح لمن لا يشق عليه. قال الحافظ: اختلف في المنع المذكور في أحاديث النهى عن الوصال. فقيل على سبيل التحريم. وقيل: على سبيل الكراهة. وقيل: يحرم على من شق عليه ويباح لمن لا يشق عليه، وقد اختلف السلف (أي الصحابة والتابعون) في ذلك فنقل التفصيل عن عبد الله بن الزبير وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه أنه كان يواصل خمسة عشر يوماً، وذهب إليه من الصحابة أيضاً أخت أبي سعيد الخدري، ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نعم وعامر بن الزبير وإبراهيم بن يزيد التيمي وأبوالجوزاء كما نقله أبونعيم في ترجمته في الحلية وغيرهم رواه الطبري وغيره من حجتهم في ذلك ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه واصل بأصحابه بعد النهى لما أبو أن ينتهوا عن الوصال فواصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال. فقال: لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبو أن ينتهوا، فلو كان النهى للتحريم لما أقرهم على فعله، فعلم أنه أراد بالنهى الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما صرحت به عائشة في حديثها عند الشيخين، حيث قالت نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمة لهم، وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم ولم ينكر على من بلغه أنه فعله ممن لم يشق عليه فمن لم يشق عليه ولم يقصد موافقة أهل الكتاب ولا رغب عن السنة في تعجيل الفطر لم يمنع من الوصال ويدل على أنه ليس بمحرم حديث أبي داود عن رجل من الصحابة، قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما أبقاء على أصحابه إسناده صحيح كما قال الحافظ: وأبقاءه متعلق بقوله نهى وروى البزار والطبراني من حديث سمرة نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال وليس بالعزيمة وإسناده ضعيف كما قال الهيثمي: لكنه يصلح شاهداً للحديث السابق ومن أدلة الجواز إقدام الصحابة على الوصال بعد النهى فإن ذلك يدل على أنهم فهموا أن النهى للتنزيه لا للتحريم وإلا لما لقدموا عليه ويؤيد أنه ليس بمحرم أيضاً ما روى أحمد والطبراني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في تفسيريهما بإسناد صحيح إلى ليلى امرأة بشير بن الخصاصية، قالت أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير. وقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا، وقال يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى:{أتموا الصيام إلى الليل}[البقرة: ١٨٧] فإذا كان الليل فأفطروا لفظ ابن أبي حاتم قال الحافظ: فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - سوى في علة النهى بين الوصال وبين تأخير الفطر حيث قال في كل منهما أنه فعل أهل الكتاب ولم يقل أحد بتحريم تأخير الفطر سوى بعض من لا يعتد به من أهل