واحتجوا أيضاً بحديث سلمة بن الأكوع والربيع عند الشيخين إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلاً، من أسلم يوم عاشوراء إن أذن في الناس من أكل فليمسك أو فليصم بقية يومه ومن لم يأكل فليصم. قالوا: فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بصوم عاشوراء في أثناء النهار وكان فرضاً في يوم بعينه فدل على أن النية لا تشترط في الليل في الصوم المفروض في يوم معين، وإن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلاً أنه يجزيه نهاراً. ومن ذلك شهر رمضان فهو فرض في أيام معينة كصوم عاشوراء إذ كان فرضاً في يوم بعينه، ومن ذلك أيضاً صوم النذر في أيام معينة. قالوا: ونسخ وجوب صوم عاشوراء لا يرفع سائر الأحكام، فبقي حكم الأجزاء بنية من النهار غير منسوخ لأن الحديث دل على شيئين. أحدهما: وجوب صوم عاشوراء. والثاني: إن الصوم الواجب في يوم بعينه يصح بنية من نهار، والمنسوخ هو الأول ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني ولا دليل على نسخه أيضاً. وأجيب عن هذا بأنه إنما صحت النية في نهار عاشوراء لكون الرجوع إلى الليل غير مقدور. والنزاع فيما كان مقدوراً، فيخص الجواز بمثل هذه الصورة أعنى من أنكشف له في النهار إن ذلك اليوم من رمضان وكمن ظهر له وجوب الصوم عليه من النهار كالمجنون يفيق والصبي يحتلم والكافر يسلم قاله الشوكاني، وقال السندي: الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوماً من الليل، وإنما علم من النهار وحينئذٍ صار إعتبار النية من النهار في حقهم ضرورياً كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة وهو المطلوب - انتهى. قلت: وأصل هذا الجواب لابن حزم ذكره في المحلى (ج٦ ص١٦٤، ١٦٦) ولابن القيم ذكره في زاد المعاد (ج١ ص١٧١) وقيل في الجواب أيضاً إن أجزاء صوم عاشوراء بنية من النهار كان قبل فرض رمضان وقبل فرض التبييت من الليل ثم نسخ وجوب صومه برمضان وتجدد حكم وجوب التبييت وأجاب الحنفية عن حديث حفصة بوجوه أحدها: أنه اختلف في رفعه ووقفه واضطراب إسناده إضطراباً شديداً وفيه إن الرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ومجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب القادح كما لا يخفي. ثانيها: أنه مخصوص بالصوم الواجب الغير المتعين كقضاء رمضان والكفارة والنذر المطلق لحديث سلمة والربيع المتقدم، ولأنه لو لم يخص بذلك يلزم منه النسخ لمطلق الكتاب بخبر الواحد، فلا يجوز ذلك وقد تقدم بيانه. ثالثها: أنه محمول على نفي الكمال. قال الكاساني: أما حديث حفصة فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب لكنه يصلح مكملاً له فيحمل على نفي الكمال ليكون عملاً بالدليلين بقدر الإمكان وفيه أن حمله على نفي الكمال خلاف الظاهر فإن الظاهر أن النفي متوجه إلى نفي الصحة أو إلى نفي الذات الشرعية، ولا دليل في قوله تعالى:{أحل لكم ليلة الصيام الرفث}[البقرة:١٨٧] الآية، على أجزاء صوم رمضان بنية من النهار كما تقدم. وأما حديث سلمة والربيع في صوم عاشوراء