لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم)) رواه رزين.
١٩٤- (٥٥) وعن جابر، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنسخة من التوراة، فقال: يار سول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه نسخة من التوراة،
ــ
مسعود يوصي القرون الآتية بعد قرون الصحابة باقتفاء آرائهم، والاهتداء بهديهم، قال القاري: خص أمواتهم؛ لأنه علم استقامتهم على الدين واستدامتهم على اليقين بخلاف من بقي منهم حياً، فإنه يمكن منهم الافتنان ووقوع المعصية، بل الردة والكفر؛ لأن العبرة بالخاتمة، وهذا تواضع منه في حقه لكمال خوفه على نفسه، وإلا فهو ممن يقتدي به حياً وميتاً-انتهى. وقال صاحب اللمعات: أراد "بمن مات" الصحابة جميعاً، وبالحي أهل زمانه غير الصحابة. (لا تؤمن عليه الفتنة) أي الابتلاء في الدين. (أولئك) إشارة إلى من مات، أفرد الضمير في "مات" نظراً إلى اللفظ وقال "أولئك" نظراً إلى المعنى. (كانوا أفضل هذه الأمة) أي أمة الإجابة، وهم خير أمة، فكانوا أفضل الأمم، و"هذه" إشارة إلى ما في الذهن من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى انقراض العال. م (أبرها قلوباً) أي أطوعها وأحسنها وأخلصها (وأعمقها علماً) أي أكثرها غوراً من جهة العلم، وأدقها فهماً (وأقلها تكلفاً) أي تصنعاً في العمل، وكذا في العلم والقراءة والطعام واللباس وغير ذلك. (اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه) فإنهم نقله أقواله وحملة أحواله إلى من بعدهم، وأيضاً جاهدوا في الله حق الجهاد، وأظهروا الدين، يعني لما جعلهم الله تعالى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - واصطفاهم واختصهم من بين الخلائق بهذه الفضيلة، علم أنهم أفضل الناس وخيار الخلق ممن بعدهم تلميحاً إلى قوله تعالى:{وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها}[٢٦:٤٨] ، (فاعرفوا لهم فضلهم) أي على غيرهم (واتبعوهم) بتشديد التاء، أي كونوا متبعين لهم حال كونكم ماشين (على أثرهم) بفتحتين وبكسر الهمزة وسكون المثلثة، أي عقبهم في العمل والعلم. (وتمسكوا) أي خذوا واعملوا (بما استطعتم) فيه إشارة إلى عجز المتأخرين عن المتابعة الكاملة لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله. (وسيرهم) بكسر السين وفتح الياء جمع السيرة. (فإنهم كانوا على الهدى المستقيم) ؛ لأنهم اتبعوا أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما شاهدوا من الأقوال والأحوال والأفعال. قال الطيبي: في قوله: "فاعرفوا لهم" قد أجمل ههنا ثم فصل بقوله "فضلهم"، كما في قوله تعالى:{رب اشرح لي صدري}[٢٥:٢٠] ، والمراد من العرفان ما يلازمه من متابعتهم ومحبتهم والتخلق بأخلاقهم، فإن قوله:"واتبعوهم" عطف على "اعرفوا" على سبيل البيان، وقوله "على أثرهم" حال مؤكدة من فاعل "اتبعوا" نحو قوله: {ثم وليتم مدبرين}[٢٥:٩] . (رواه رزين) وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم". قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
١٩٤- قوله:(بنسخة من التوراة) أي بشيء نسخ ونقل منها (هذه نسخة من التوراة) أي فهل تأذن لنا أن