قال "أجلس" ومكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك، أتى النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
الصيام بإفساد الحج. وورد ذكر البدنة في مرسل سعيد بن المسيب عند مالك في الموطأ وهو مع إرساله قد رده سعيد بن المسيب، وكذب من نقله عنه كما روى سعيد بن منصور. ورواه ابن عبد البر من طريق مجاهد عن أبي هريرة موصولاً، لكنه من رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد، وليث ضعيف، وقد اضطرب في روايته سنداً ومتناً فلا حجة فيه. واختلف في أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب أو على التخيير، والمراد بالترتيب أن لا ينتقل المكلف إلى المؤخر في الذكر إلا بعد العجز عن الذي قبله، وبالتخيير أن يفعل منها ما شاء ابتداء من غير عجز، فذهب مالك إلى أنها على التخيير. وقال الشافعي وأحمد وأبوحنيفة: هي مرتبة فالعتق أولاً، فإن لم يجد فالصيام، فإن لم يستطع فالإطعام، واحتجوا بحديث الباب. قال ابن العربي: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر، وليس هذا شأن التخيير، ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك. فقال: إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير، وقرره ابن المنير بأن شخصاً لو حنث فاستفتى. فقال المفتى: أعتق رقبة فقال: لا أجد فقال: صم ثلاثة أيام إلى آخره، لم يكن مخالفاً لحقيقة التخيير بل يحمل على أن إرشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفارة. وقال البيضاوي: ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول، ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني، يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان، وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم. قال الحافظ: وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح، بأن الذين رَوَوا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير فإن الذين رووا الترتيب عنه هم تمام ثلاثين نفساً أو أزيد، ورجح الترتيب أيضاً بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من صورة الواقعة، وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث، فدل على أنه من تصرف بعض الرواة، إما لقصد الاختصار أو لغير ذلك، ويترجح الترتيب أيضاً بأنه أحوط لأن الأخذ به مجزيء سواء قلنا بالتخيير أولاً بخلاف العكس. وقيل: أو في الرواية الأخرى ليست للتخيير، وإنما هي للتفسير والتقدير أمر رجلاً أن يعتق رقبة أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عنهما (قال: إجلس) قيل: إنما أمره بالجلوس لانتظار الوحي في حقه أو كان عرف أنه سيؤتي بشيء يعينه به (ومكث) بضم الكاف وفتحها (النبي - صلى الله عليه وسلم -) لفظ البخاري في هذه الرواية التي ساقها في الصيام في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر قال (أي أبوهريرة) فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعض النسخ فمكث عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية ابن عيينة عند البخاري في النذور. قال: اجلس فجلس، فجمع المصنف هنا بين الروايتين تقليداً لما في جامع الأصول للجزري (ج٧ ص٢٧٨)(فبينا) بغير ميم (نحن على ذلك) أي ما ذكر من الجلوس والمكث وجواب بينا قوله (أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -) بضم الهمزة مبنياً للمفعول ولم يسم الآتي وعند البخاري في