للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

...................

ــ

لم يرد استبقاء الرائحة، وإنما أراد نهى الناس عن كراهتها وهذا التأويل أولى، لأن فيه إكراماً للصائم ولا تعرض فيه للسواك فيذكر أو يتأول - انتهى. وقد تعقب الحافظ على هذا الجواب أيضاً فقال بعد ذكر كلام ابن العربي: فيه نظر، لما رواه الدارقطني (ص٢٤٨) والبيهقي (ج٤:ص٢٧٤) عن أبي هريرة راوي حديث الخلوف أنه قال لك السواك إلى العصر فإذا صليت العصر فالقه فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وفيه إن هذا الأثر ضعيف جداً، فإن في سنده عمر بن قيس المعروف بسنده وهو واه. قال أحمد والنسائي والفلاس وغيرهم: متروك. وقال أحمد: أحاديثه بواطيل لا تساوي شيئاً. وقال البيهقي: ضعيف، لا يحتج به، ومع ضعفه فقد عارضه ما هو أقوى منه من أثر معاذ بن جبل عند الطبراني وقد تقدم لفظه. ومنها إن في السواك تطهيراً وإجلالاً للرب حال مناجاته في الصلاة، لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الفم تعظيم وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال، وهذه المسألة من قاعدة إزدحام المصالح التي يتعذر الجمع بينها، ويدل على أن مصلحة تطهير الفم بالسواك أعظم من مصلحة الخلوف قوله - صلى الله عليه وسلم -: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، فيقدم السواك. وما ذكره الشافعي ومن وافقه هو تخصيص للعمومات بمجرد كونه مزيلاً للخلوف، وهذا معارض بالمعنى الذي ذكرناه. وقال العز بن عبد السلام في قواعده الكبرى (ج١:ص٣٦-٣٧) قد فضل الشافعي تحمل الصائم مشقة رائحة الخلوف على إزالته بالسواك مستدلاً بأن ثوابه أطيب من ريح المسك، ولم يوافق الشافعي على ذلك، إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل أن يكون أفضل من غيره، لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية. ألا ترى الوتر عند الشافعي في قوله الجديد أفضل من ركعتي الفجر، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، وكم من عبادة قد أثنى الشارع عليها وذكر فضيلتها مع أن غيرها أفضل منها وهذا من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما فإن السواك نوع من التطهر المشروع لإجلال الرب سبحانه وتعالى، لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الأفواه تعظيم، لا شك فيه، ولأجله شرع السواك. وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال فكيف يقال إن فضيلة الخلوف تربى على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه إلى أن قال والذي ذكره الشافعي تخصيص للعام بمجرد الاستدلال المذكور المعارض لما ذكرناه كذا في النيل. وقال ابن دقيق العيد: من يكره السواك بعد الزوال يحتاج إلى دليل خاص بهذا الوقت يخص به عموم عند كل صلاة، وفي تخصيصه بحديث الخلوف بحث - انتهى. وقال القاري: إذا ورد عن الشارع أحاديث مطلقة شاملة لما قبل الزوال وما بعده، وعن الصحابة فعلهم وإفتاءهم على جوازه بعد الزوال، فكيف يصلح بعد هذا كله أن يكون حديث الخلوف دليلاً للشافعي، ومن تبعه على منع السواك بعد الزوال وصرف الإطلاق إلى ما قبل الزوال من غير دليل صريح أو تعليل صحيح - انتهى. وقد ظهر بما ذكرنا أن القول الراجح المعول عليه هو ما ذهب إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>