٢٠٤٤- (٦) وفي رواية لمسلم عن جابر، أنه شرب بعد العصر.
ــ
قلت: لأحمد روايتان، فيما إذا نوى الصوم من الليل وهو مقيم، ثم سافر في أثناء النهار. قال ابن قدامة (ج٣ص١٠٠) في إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه عن أحمد روايتان، إحداهما له أن يفطر، وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر لحديث أبي بصرة الغفاري، إذ أكل الغداء في السفينة حين رفع من الفسطاط في شهر رمضان، وكان يرى البيوت أخرجه أبوداود، والرواية الثانية لا يباح له الفطر ذلك اليوم، وهو قول مكحول والزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر. قال ابن قدامة: والأول أصح للخبر-انتهى. ووافق الحنفية والمالكية في المسئلتين لكن لا كفارة عند الحنفية. قال ابن عابدين: لو سافر بعد الفجر لا يحل الفطر، وكذا لو نوى المسافر الصوم لا يحل فطره في ذلك اليوم، فلو أفطر لا كفارة عليه-انتهى. وقال صاحب فتح الملهم: وذهب الحنفية إلى عدم الجواز في الصورتين، ولهذا استشكل ابن الهمام أحاديث الباب، ثم أجاب عنها بما لا يقبله الوجدان السليم، نعم نقل الشيخ الأنور رحمه الله عن التتار خانية أنه يحل الفطر للغزاة عند مسيس الحاجة إليه مطلقاً للتقوى على الجهاد والتأهب له، وحمل حديث الباب على تلك الحالة، وكذا حققه الحافظ بن القيم في الهدي-انتهى. قلت: والراجح عندي في المسئلتين هو ما ذهب إليه أحمد ومن وافقه والله تعالى أعلم. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصيام وفي الجهاد وفي المغازي، ومسلم في الصيام واللفظ المذكور للبخاري في الصيام، وأخرجه أحمد سبع عشرة مرة، ومالك وأبوداود والنسائي والدارمي والطحاوي (ج١ص٣٣١) والبيهقي (ج٤ص٢٤٠- ٢٤٣) بألفاظ مطولا ومختصرا.
٢٠٤٤- قوله:(وفي رواية لمسلم عن جابر) أي في هذه القصة (إنه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (شرب بعد العصر) يعني كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً إلى وقت العصر، ثم أفطر ليعلم الناس إن الإفطار في السفر جائز بل أولى عند المشقة. وأخرج هذه الرواية مسلم من طريق عبد العزيز الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بلفظ: فقيل إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر. وأخرجها أيضاً الترمذي والنسائي والبيهقي (ج٤ص٢٤١) وذكر المصنف هذه الرواية لأنها أقرب بل أصرح في الدلالة، على أن من أصبح صائماً في السفر جاز له أن يفطر خلافاً للحنفية والمالكية وبعض الشافعية.