ومن كان مريضاً أو على سفر الآية ثم احتج للجمهور بحديث ابن عباس هذا-انتهى. واستدل به على أن للمرء أن يفطر ولو نوى الصوم من الليل وأصبح صائماً فله أن يفطر في أثناء النهار وهو قول الجمهور، وقطع به أكثر الشافعية، وفي وجه ليس له أن يفطر وكأن مستند قائله ما وقع في البويطي من تعليق القول به على صحة حديث ابن عباس هذا، وهذا كله فيما لو نوى الصوم في السفر. قال ابن قدامة (ج٣ص١٠١) إن نوى المسافر الصوم في سفره ثم بدأ له أن يفطر فله ذلك. واختلف قول الشافعي فيه فقال مرة: لا يجوز له الفطر. وقال مرة أخرى، إن صح حديث الكديد لم أر به بأساً أن يفطر. وقال مالك: إن أفطر فعليه القضاء والكفارة، ولنا حديث ابن عباس وهو حديث صحيح متفق عليه. ثم ذكر حديث جابر في إفطاره بعد العصر ثم قال: وهذا نص صريح فلا يعرج على من خالفه-انتهى. وأجاب المانعون من الفطر عن حديث ابن عباس بأنه ليس بنص في أنه صلى الله عليه وسلم بيت الصيام في ليلة اليوم الذي أفطر فيه، فيحتمل أن يكون لم ينو الصيام في ذلك اليوم، لما كان من قصده أن يظل مفطراً وشرب الماء بعد العصر ليريهم كونه غير صائم. قال الحافظ: واعترض بعض المانعين في أصل المسألة فقال ليس في الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم نوى الصيام في ليلة اليوم الذي أفطر فيه، فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطراً ثم أظهر الإفطار ليفطر الناس، لكن سياق الأحاديث ظاهر في أنه كان أصبح صائماً أفطر. وقد روى ابن خزيمة وغيره عن أبي هريرة قال كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران فأتى بطعام، فقال لأبي بكر وعمر ادنوا فكلا، فقالا اعملوا لصاحبيكم ارحلوا لصاحبيكم ادنوا فكلا. قال ابن خزيمة: فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضى بعض النهار-انتهى. وأجاب بعض المالكية عن حديث عباس بأنه إنما أفطر بعد أن بيت الصيام للضرورة كالتقوى للعدو والمشقة الحاصلة له ولهم. ولو نوى الصوم من الليل وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فهل له أن يفطر في ذلك النهار، منعه الجمهور. وقال أحمد وإسحاق: بالجواز، واختاره المزني محتجا بهذا الحديث، ظنا منه أنه - صلى الله عليه وسلم - أفطر في اليوم الذي خرج فيه من المدينة وليس كذلك، فإن بين المدينة والكديد عدة أيام. قال النووي: قد غلط بعض العلماء في فهم هذا الحديث، فتوهم أن الكديد وكراع الغميم قريب من المدينة، وإن كان بلوغه الكديد الغميم كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة، فزعم أنه خرج من المدينة صائما، فلما بلغ كراع الغميم في يومه أفطر من نهاره. واستدل به على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائماً له أن يفطر في يومه، ومذهب الشافعي والجمهور أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم، وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر، واستدلاله بهذا الحديث من العجائب الغريبة. لأن الكديد وكراع الغميم على سبع مراحل أو أكثر من المدينة-انتهى.