وقال النووي: كانت كل واحدة منهن مهيأة نفسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك، ولا تدري متى تريده ولا تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، وقد يكون له حاجة فيها فيفوتها عليه، وهذا من الأدب، وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان، فلا حاجة له فيهن حينئذٍ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه-انتهى. وقال الباجي: والظاهر أنه ليس للزوج جبر المرأة على تأخير القضاء إلى شعبان إلا باختيارها لأن لها حقاً في إبراء ذمتها من الفرض الذي لزمها، وأما التنفل فإن له منعها لحاجة إليها لحديث أبي هريرة لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه. وفي الحديث حجة للجمهور إن القضاء لا يجب على الفور إذ لو منع التأخير لم يقرها - صلى الله عليه وسلم -، نعم يندب التعجيل لأن المبادرة إلى الطاعة والمسارعة إلى الخير أولى. وأوجب داود القضاء من ثاني شوال فإن أخره أثم. وحديث عائشة يرد عليه. وقال الشوكاني: في الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقاً، سواء كان لعذر أو لغير عذر، لأن للزيادة المذكورة مدرجة، ولكن الظاهر إطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية فيكون ذلك أعنى جواز التأخير مقيداً بالعذر المسوغ لذلك. قلت: واحتج الجمهور أيضاً بقوله تعالى {فعدة من أيام أخر}[البقرة:١٨٥] فإنه أمر بالقضاء مطلقاً عن وقت معين فلا يجوز تقييده ببعض الأوقات إلا بدليل فيكون وجوب القضاء موسعاً على التراخي لا على الفور. ويؤخذ من حرص عائشة على القضاء في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر فإن دخل فالقضاء واجب أيضاً فلا يسقط، وأما الإطعام فليس له في الحديث ذكر لا بالنفي ولا بالإثبات. واختلف العلماء فيه. فذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد إلى وجوب الإطعام مع القضاء. وروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وعمر، ونقل الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم فيه مخالفاً-انتهى. وخالف في ذلك إبراهيم النخعي وأبوحنيفة وأصحابه، ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك، ومال البخاري إلى أنه يقضى ولا كفارة عليه حيث قال بعد ذكر قول أبي هريرة وابن عباس في الإطعام ما لفظه ولم يذكر الله الإطعام، إنما قال:{فعدة من أيام أخر} أي وسكت عن الإطعام وهو الفدية لتأخير القضاء ولم يثبت فيه شيء مرفوع. وفي الحديث إن حق الزوج من العشرة والخدمة يقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضاً محصوراً في الوقت. وقيل: قول عائشة فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان يدل على أنها كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة ولا في عاشوراء ولا في غيرهما، وهو مبني على أنها كانت لا ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان، ولكن من أين ذلك لمن يقول به. والحديث ساكت عن هذا (متفق عليه) واللفظ للبخاري، وأخرجه أيضاً أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن خزيمة.